وكما أشرنا في بداية هذا البحث فإنّ في الآيات المذكورة أعلاه إشارات واضحة حول هذه الأدلة العقلية التي تعبّر عن متانة الدليل القرآني ومنطقه المتفوق ، وقد أشرنا إليها ضمن تفسير الآيات.
* * *
٣ ـ إنّ علم الله حضوريٌ
كما أنّ حقيقة العلم من البديهيات ، وهذا المعنى من الواضحات أيضاً ، حيث إننا نمتلك نوعين من العلم وهما مختلفان تماماً :
النوع الأول : نحن نعلم وندرك وجودنا ، وإرادتنا ، وميولنا ، حُبّنا وبغضنا ، مايدور في اذهاننا ، بدون حاجة إلى أي وساطة ، ونحيط علماً بأنفسنا ، وأفكارنا وحالاتنا الروحية ماثلة بين أيدينا ، ولا حجاب فيما بيننا وبينها. (ويدعى هذا النوع بالعلم الحضوري).
النوع الثاني : نحن نعلم بما يُحيط بنا من الموجودات أيضاً ولكن من المسلَّم به أنّ السماء والأرض والنجوم لا توجد في اعماق وجودنا وفي دخائل أرواحنا وأفكارنا ، بل نفذت صورها إلى أذهاننا عن طريق آثارها ، وفي الحقيقة أنّ ما عرفناه عنها هو تلك المفاهيم التي نفذت إلى أعماقنا ، وهذا النوع من العلم يدعى بالعلم الحصولي.
وعلم الله بجميع موجودات العالم من النوع الأول ، لأنّه موجود في كل مكان ، ويحيط بكل شيء احاطة وجودية ، ولا شيء بعيد عنه سبحانه.
فهو سبحانه لا يحتاج إلى الحواس وانعكاس صور الموجودات في الذهن ، ولا إلى المفاهيم الذهنية أبداً ، وعلمه بكل شيء علم حضوري.
* * *
٤ ـ لا حصر ولانهاية لعلم الله
إنّ محاولات الإنسان المستمرة لكشف أسرار الوجود ، التي شغلته منذ اليوم الأول من