على أحد كمالات ذاته المقدّسة ، فذاته غير محدودة وكمالاته غير محدودة كذلك ، ومن البديهي أنّ الصفات الكماليّة والأسماء التي تحكي عنها لا حصر لها أيضاً ، لكن مع ذلك فإنّ قسماً من هذه الأسماء والصفات تعدّ أصولاً ، وما سواها فهو فرعٌ من تلك الاصول.
فمثلاً كون الله سبحانه وتعالى «سميعاً» و «بصيراً» ، فهذا يُعد فرعاً من علمه عزوجل ، لأنّ المقصود هو اطلاعه على المسموعات والمشهودات لا امتلاكه للعين والاذن.
وكذلك كونه تعالى «أرحم الراحمين» و «أشدّ المعاقبين» ، فهذه متفرّعة من حكمته ، وذلك لأنّ الحكمة هي التي تقتضي أن يرسل رحمته في مكانٍ ونقمته في مكانٍ آخر.
* * *
طريقٌ مملوء بالورود والأشواك :
إنَّ من السهل معرفة الله وإدراك وجوده عزوجل ـ وخاصةً عن طريق التفكُّر بعالم الوجود ـ ، ولكن بقدر ما تكون معرفته تعالى سهلةً ، فإنّ فهم وإدراك صفاته صعب للغاية ، وذلك لأنّنا نمتلك في مرحلة إدراك وجود الله أدلّة بعدد نجوم السماء وأوراق الأشجار وأنواع النباتات والحيوانات ، بل بعدد خلايا كل نباتٍ وحيوان ، وبعدد ذرات الكون ، وكلّها تدل على أصل وجوده عزوجل.
وبما أنّ سلوك الطريق الصحيح المتمثّل بتنزيهه عزوجل عن صفات مخلوقاته وترك تشبيهه تعالى بمخلوقاته هو الشرط الأول في معرفة صفاته ، فإنّ الأمر يصبح معقداً.
والدليل على ذلك واضحٌ أيضاً ، فقد ترعرعنا في أحضان الطبيعة وتطبّعنا بطباعها ، وكل ما رأيناه وسمعناه ينحصر في إطار الحوادث الطبيعيّة ، وهذه الطبيعة بذاتها أعانتنا على معرفة الله أيضاً.
ولكننا عندما نصل إلى بحث صفاته تعالى ، فإننا لا نجد حتّى صفة واحدة من صفاته يُمكن قياسها ومقارنتها بما رأيناه وسمعناه ، وذلك لأنّ صفات المخلوقين ينقصها الكمال دائماً ، وصفاته عزوجل منّزهة عن أي نقصٍ وهي عينُ الكمال.