صحيح أنّ هنالك صفات كالعالم والقادر والسميع والبصير ، تطلق على الخالق والمخلوق ، لكنّه لا ريب في أنّ مفاهيمها متفاوتة في هاتين الحالتين. لذا فقد قال بعض المفسرين : إنّ الآية أعلاه تفيد الحصر ، أي أنّ الله تعالى هو السميع والبصير فقط ، لأنّه تعالى سميع بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، وبصير كذلك ، أي يعلم جميع المسموعات والمبصرات ولا أحد غيره مثله في هاتين الصفتين.
فالبشر وسائر الاحياء التي تمتلك عيوناً وآذاناً تدرك فقط أجزاء محدودة من الألوان والأصوات ، وقد ثبت الآن علميّاً أنّ الامواج الصوتية التي تعجز اذن الإنسان والحيوانات عن سماعها تفوق بكثير ما يمكن إدراكه ، وهكذا في مورد الألوان والمرئيات.
* * *
يعلم ما تعملون :
بعد أن أمر الله سبحانه وتعالى عباده في الآية الثانية بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل ، وصف نفسه بهاتين الصفتين اللتين لهما علاقة وثيقة ولطيفة بالأمرين الواردين في بداية الآية حيث قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْامَانَاتِ الَى اهْلِهَا وَاذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ انْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ انَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ انَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً).
وكما نعلم فإنّ الأمانات الواردة في الآية ذات معنى واسع وعميق ، وقد ورد في روايات أهل البيت عليهمالسلام بأنّها تشمل حتى مسألة إمامة وقيادة الناس ، فهي أمانات إلهيّة ويجب أن تودع عند أهلها (١).
وكذلك فإنّ تعبيره سبحانه بكلمة «الناس» يشمل جميع البشر حتى من هم غير مسلمين ، أي ينبغي رعاية اسس العدالة بين جميع بني البشر ، ومعاملة الصديق والعدو ، والغريب والقريب بالتساوي.
__________________
(١) وردت روايات كثيرة في هذا المجال ، ولزيادة الاطّلاع راجع تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٣٨٠ ؛ وتفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٤٩٦.