للبحث حول مسألتي الأمانة والعدالة ، اللتين هما روح المجتمع الإنساني وروح الحكومة الإسلاميّة ، محلٌّ آخر طبعاً ، وسنتاول ذلك فيما بعد. الغرض هنا هو معرفة علاقة هاتين المسألتين بصفتي «السميع» و «البصير» المنسوبتين إلى الله تعالى.
وهذه الجملة بالحقيقة هي تحذير لكل من يتولى منصباً رئاسياً ، أو يأخذ على عاتقه حمل أمانة معينة ، أو قضاءً وحكماً بين الناس ، وهذا التحذير كأنّه يقول لنا : إعلموا بأنّ الله تعالى رقيب عليكم يعلم ما تعملون ، ويسمع ماتقولون ، وهذا يثبت بأنّ لصفات الله جانباً تربوياً بالإضافة إلى مسألة العقيدة.
بالإضافة إلى أنّه من المحتمل أن تكون هاتين الصفتين إشارة إلى نقطة اخرى ، وهي أنّ مسألة أداء الأمانة والحكم بين الناس تحتاج إلى اذُنٍ سميعةٍ وعينٍ بصيرةٍ ، فلا يمكن البتّ في الامور بدون سماع صوت المظلومين ، ومعرفة حقيقة مظالمهم ، والتمعُّن الكامل في هذه الأمور ، ويجدر الإلتفات إلى أن فعل «كان» يدل على ملازمة هذه الصفات للذات الالهيّة المقدّسة ، فهو سبحانه وتعالى سميعٌ بصيرٌ دائما وأبداً.
وما يجدر ذكره هو تقارن هاتين الصفتين (السميع والبصير) في مواضع اخرى أيضاً من القرآن.
والملفت للنظر هو تقدم صفة السميع على البصير في كل مواضع القرآن التي وردت فيها هاتان الصفتان سويّة ، ولعلّ السّر في ذلك يكمن في كون القول يسبق العمل ، وحيث إنّ هذه الآيات تهدف إلى تنمية الحالات التربوية للإنسان ، فهي تريد أن تخاطب الإنسان وتقول : «ياأيّها الإنسان إنّ ربّك يسمع أقوالك ثم يرى أعمالك».
هو السميع والعليم :
دار الحديث في الآية الثالثة عن «السميع» و «العليم» حيث ذكرت المظلومين وسمحت لهم بالاعلان عن مظلوميتهم وفضح الظالمين ، قال تعالى : (لَّايُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ الَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً).