مراده إلى الاستنارة بنور الوحي الإلهي.
والملاحظة الأخيرة هي أن قرب الله منّا ليس كقرب بعضنا من بعض ، بل هو أقرب إلينا من أنفسنا ، كما سنبحث هذا في محلّه إن شاء الله تعالى.
إنّه سميع الدعاء :
طرحت الآية السادسة تعبيراً جديداً أيضاً ، حيث وصفته تعالى بسميع الدعاء ، فنقلت عن زكريا عليهالسلام عندما رأى مقام ومنزلة مريم عليهاالسلام ، فقال : (هُنَالِكَ دَعَا زَكَريَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لى مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَةً طَيِّبَةً انَّكَ سَمْيعُ الدُّعَاءِ) (١).
وبالرغم من أنّ السميع من السمع ، لكنها في مثل هذه الحالات تعطي معنى السامع ومعنى المجيب. وذلك لأنّ من لم يستجب لنداء معين كأنّه لم يسمعه (٢).
إنّه تعالى بصير :
أكدت الآية السابعة على مفهوم البصير بما يعمل الإنسان ، والذي يُعد المحور الأساس للمسائل التربوية ، قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا انَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وذكر هذه الجملة بعد إصدار سبعة أوامر حول رضاعة الأولاد ، وحق الأولاد والأمهّات والمرضعات ، ومسؤوليّة الوالد تجاههم ، وبديهي أن فقدان التقوى هنا ، وعدم خوف الإنسان من المراقبة الإلهيّة سوف يكون مانعاً من إيجاد علاقات اجتماعية سليمة داخل الأسرة لحفظ حقوق الجميع ، وقد أثبتت التجارب صعوبة توطيد أسس الحق والعدالة في النظام الأسري باستعمال قوّة القانون والخوف والعقوبات ، وأنّ السبيل الوحيد لذلك هو حلول روح التقوى والإيمان بالله سبحانه وتعالى وبأنّه بكل شيء بصير.
__________________
(١) «الذرية» بمعنى الولد وتطلق على المفرد والجمع بلفظ واحد ، لكنها اطلقت هنا واريد منها المفرد وذلك بقرينة «ولياً» التي جاءت في الآية ٥ من هذه السورة.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٢ ، ص ١٣١٤ ؛ وتفسير روح البيان ، ج ٢ ، ص ٣٠ ؛ وتفسير روح المعاني ، ج ٣ ، ص ١٢٨ في ذيل الآية مورد البحث.