إنّ الله خبير بأحوال العباد :
يُلاحظ في الآية الثامنة تعبيراً جديداً أيضاً ، وهو اقتران مفهومي الخبير والبصير مع بعضهما ، فقد تحدثت الآية في بدايتها عن الوحي الإلهي ، وانزال القرآن الكريم بعد الكتب السماوية السابقة له ، ثم قال تعالى : (انَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبيرٌ بَصِيرٌ).
إنّ هذه الجملة تشير إلى أنّ هذا الكتاب السماوي يتناغم مع وضعيّة البشر واحتياجاته في جميع المجالات ، لأنّه نزل من لدن خبير بكل شيء وبصير بكل حوائج الإنسان.
وقد فُسرت هذه الآية أيضاً بأنّها ردٌّ على إشكال من كانوا يعترضون على انزال القرآن على محمد صلىاللهعليهوآله لكونه يتيماً وفقيراً ، فقال تعالى : بأنّه الخبير والبصير بعباده ويعلم أيّهم أكثر استعداداً لتحمل عبء الرسالة الشريفة. (ولا يمكن الاستدلال على هذا المعنى بقرينة الآية التي تلت هذه الآية) (١).
ولا بأس بالجمع بين التفسيرين.
وذهب بعض المفسّرين : إلى أنّ كلمة خبير هنا كناية عن الاحاطة بالأمور المعنوية والروحيّة ، وبصير كناية عن الاحاطة بالامور الجسمانية ، ولهذا السبب تقدمت كلمة الخبير على كلمة البصير.
وبالرغم من أنّ كلمة الخبير المشتقة من الخبر ذات معنىً واسع جدّاً يشمل كُلّ احاطة بظواهر الامور وبواطنها ، إلّاأنّ اقترانها بصفة البصير يوحي إلى كونها كناية عن الاحاطة بباطن الأمور (وقد ذكر الراغب في مفرداته بأنّ أحد معاني هذه الكلمة هو العلم بباطن الأمور).
إنّه بصير بالمشاكل التي تواجه عباده :
ذكرت الآية التاسعة صفة البصير فقط ، وأمّا ما جاء من أنّه بصير بعباده وحاجتهم إلى الامداد الإلهي. فهذا جاء نقلا لخطاب مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه عن آل
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ٢٤ ؛ في تفسير روح البيان ، ج ٧ ، ص ٣٤٦ ، فيه إشارة إلى هذا المطلب.