فرعون وبذل النصح لقوم موسى عليهالسلام عندما كانوا يخطّطون لقتله ، وهدّدهم بالعذاب الإلهي وصرفهم عن هذا العمل فقال لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا اقُوْلُ لَكُمْ) ، فإن حملتم كلامي هذا على التعاون مع موسى عليهالسلام وقصدتم ايذائي فاني : (وَأُفَوِّضُ امْرِى الى اللهِ انَّ اللهَ بَصيرٌ بِالْعِبَادِ).
وبالتالي فقد نجّى الله سبحانه هذا العبد المؤمن المجاهد من المؤامرات العديدة التي حِيكت ضدّه (والتي كان من جملتها التعذيب والاعدام).
وبالحقيقة ، أنّ التذكير بكون الله بصيراً بالعباد هنا إنّما هو كناية عن عدم تخلي مثل هذا الرب عن عباده المجاهدين المخلصين ، وأنّ مثل هؤلاء العباد بإيمانهم بمثل هذا الرب سوف لا يهابون الصعاب ، ومن هذه الجهة فقد أشارت الآية التي بعدها إلى نجاته من مخالب الاعداء في ظل اللطف الإلهي.
وهذه المسألة جديرة بالذكر أيضاً ، وهي الآصرة الوثيقة الموجودة بين كون الله سبحانه بصيراً بعباده وبين تفويض الامور له ، لأنّه كيف يمكن أن يدافع عن الإنسان من لا يعلم مشاكل الإنسان وحوائجه الظاهرية والباطنية؟ وبتعبير آخر فالتفويض بمعنى ثمرة الإيمان بكون الله بصيراً بالعباد وأمورهم ، والتفويض هنا طبعاً لا يعني أن يتقاعس الإنسان ويتكاسل أبداً ، لأنّ هذا الكلام صدر من رجل مجاهدٍ جازف بحياته من أجل الدفاع عن موسى عليهالسلام ورسالته ، بل المقصود هو أداء التكليف ثم تفويض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.
الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافاتٍ :
وأخيراً نجد أنّ المسألة خرجت من دائرة اعمال العباد في الآية العاشرة والأخيرة من آيات البحث ، حيث أشارت الآية إلى جميع عالم الوجود وكون الله بصيراً بتنظيم قوانينه : (اوَلَمْ يَرَوْا الَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ).
فمن الذي يُمسك هذه الأجسام الثقيلة في الجو التي تقاوم قانون الجاذبية ، لساعات أو أسابيع أو أشهر؟ وقد تواصل بعض الطيور المهاجرة طيرانها لمدّة أسابيع وأشهر متواصلة