خرج بعض الأصحاب (رضي الله عنهم) إلى الصحراء فطبخوا الطعام ، فلما تهيأوا للأكل رأوا هنالك راعيا يرعى أغناماً فدعوه إلى الطعام ، فقال الراعي : كلوا أنتم فانّي صائم. فقالوا له على سبيل الاختبار : كيف تصوم في مثل هذا اليوم الشديد الحرارة؟ فقال لهم : إنّ نار جهنم أشد حرّاً منه ، فأعجبهم كلامه فقالوا له : بع لنا غنما من هذه الأغنام نعطك ثمنه مع حصة من لحمه ، فقال لهم : هذه الأغنام ليست لي وإنّما هي لسيدي ومالكي ، فكيف أبيع لكم مال الغير؟ فقالوا له : قل لسيدك إنّه أكله الذئب أو ضاع : فقال : أين الله!؟ فأعجبهم كلامه زيادة الاعجاب ، ثم لما عادوا إلى المدينة اشتراه ابن مسعود من مالكه مع الأغنام فأعتقه ، ووهب الأغنام له ، وكان ابن مسعود يقول له في بعض الأحيان بطريقة الملاطفة : أين الله (١).
وهنالك نماذج كثيرة من هذا القبيل ، منقولة في التأريخ والروايات الإسلامية ، تدلّ على الأثر التربوي البليغ النابع من الإيمان بعلم الله وبتواجده في كل مكان ، وبكونه سميعاً وبصيراً ، في الحجز عن المعاصي والذنوب.
٤ ـ الله المدرك
عدّ علماء العقائد صفة «المدرك» من احدى صفات الله ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى حيث قال : (لَاتُدْرِكُهُ الْابْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْابْصَارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ). (الأنعام / ١٠٣)
قال المتكلمون : إنّ المدرك بمعنى السميع والبصير ، وعليه فهذه الكلمة تجمع كلتا الصفتين (٢).
وقد قال الراغب في المفردات : بأنّ «الإدراك» معناه الوصول إلى نهاية الشيء ، لكن البعض فسروها بالمشاهدة العينية ، والبعض الآخر قالوا : إنّها بمعنى المشاهدة ببصيرة القلب.
__________________
(١) تفسير روح البيان ، ج ٨ ، ص ١٨٨.
(٢) شرح التجريد : «في أنّ الله سميع بصير».