جمع الآيات وتفسيرها
قدرته مقرونة بحكمته :
الجدير بالذكر أنّ الصفات التي وصف الله تعالى ذاته المقدّسة بها في ذيل الآيات القرآنية المذكورة لها علاقة وثيقة وخاصّة مع محتوى هذه الآيات ، بحيث إنّ التدقيق في هذه المسألة يُرشد إلى نقاط مهمّة ، ومع أخذ هذه الإلتفاتة بنظر الاعتبار نحاول تفسير الآيات المذكورة.
بعد أن ذكر سبحانه وتعالى في الآية الأولى قسماً من الواجبات الإسلامية حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الصلاة وأداء الزكاة وما شاكل ذلك ، وبعد التذكير بشمول رحمته عباده المطيعين ، قال عزوجل : (انَّ اللهَ عَزِيْزٌ حَكِيمٌ).
«العزيز» : من «العزّة» أي عدم المغلوبية ، والأصل في استعمالها هو في التعبير عن الأشياء الصلبة التي لا ينفذ فيها شيء ، وعليه فإنّ صفتي «عزيز وحكيم» هنا تدلان على قدرته وعلمه اللامتناهيان.
والجدير بالذكر هو أن هاتين الصفتين قد وردتا معاً في الكثير من الآيات القرآنية ، وأكثر ماورد ذكرهما في الآيات التي تحدّثت حول تشريع الأحكام ، وبعث الأنبياء ، ونزول القرآن (كالآيات ١٢٩ و ٢٠٩ و ٢٢٨ من سورة البقرة ، والآية ٢ من سورتي الجاثية والأحقاف) ، وذلك للتذكير بأنّ الله تعالى قد فصّل جميع ما يحتاجه البشر بتشريع القوانين وإنزال القرآن بدّقة متناهية ، لأنّه علاوةً على كونه حكيماً وعليماً ، فهو قادر على هذا العمل أيضاً.
وبتعبير آخر ، إنّ أفضل القوانين يُشرعها من هو أعلم وأكثر اقتداراً من الجميع ، وهو الله ولا أحد غيره.
وما ذُكر في قسم من الآيات التي ختمت بصفتي «عزيز حكيم» عن خلق السماء والأرض ، وتسبيح الكائنات لله تعالى ، أو تنظيم خلقة الجنين ، وما شاكل ذلك (كالآية ١ من سورة الحديد ، والآية ٢٤ من سورة الحشر ، والآية ٦ من سورة آل عمران) ، بمثابه كناية عن كون عالم التشريع ليس لوحده قائماً في ظلّ علم الله تعالى وحكمته ، بل إنّ عالم التكوين كذلك أيضاً.