العيانى مشهور بين الخصوص ، لم يطلع عليه إلا نبى أو ولىّ ، لأنه صدر من الحق لأهل شهوده ، من المحبين العارفين ، والموحدين والصديقين ، والأنبياء والمرسلين. انظر بقية كلامه.
وقال أيضا فى قوله : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) : أفهم أن أصوات الطيور والوحوش وحركات الأكوان جميعا هى خطابات من الله عزوجل للأنبياء والمرسلين ، والعارفين والصديقين ، يفهمونها من حيث أحوالهم ومقاماتهم. فللأنبياء والمرسلين علم بمناطقها قطعيا. ويمكن أن يقع ذلك بوحي ، ولكن أكثر فهوم الأنبياء (١) أنهم يفهمون من أصواتها ما يتعلق بحالهم ، بما يقع فى قلوبهم من إلهام الله ، لا بأنهم يعرفون لغاتهم بعينها. ه. قلت : وكذلك الأولياء يفهمون عنها ما يليق بمقاماتهم ، من ألفاظ ، أو أنس ، أو إعلام ، أو غير ذلك. والله تعالى أعلم.
ولما أراد سليمان الغزو ، جمع جنوده ، كما قال تعالى :
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩))
قلت : (قالَتْ نَمْلَةٌ) : التاء للوحدة ، لا للتأنيث. قال الرضى : تكون التاء للفرق بين المذكور والمؤنث ، وتكون لآحاد الجنس ، كنحلة ونحل ، وثمرة وثمر ، وبطة وبط ، ونملة ونمل ، فيجوز أن تكون النملة مذكرا ، والتاء للوحدة ، وأنث الفعل باعتبار تأنيث اللفظ. ه. مختصرا. و (لا يحطمنكم) : يحتمل أن يكون جوابا للأمر ، أو : نهيا بدلا من الأمر ؛ لتقارب المعنى ؛ لأن الأمر بالشيء نهى عن ضده. والضد ينشأ عنه الحطم ، فلا : ناهية ، ومثله الحديث : «فليمسك بنصالها ، لا يعقر مسلما» (٢). ه.
__________________
(١) عبارة الورتجبي ، كما فى عرائس البيان : (ويمكن أن يقع ذلك لولى ، ولكن أكثر فهوم الأولياء بها ...).
(٢) أخرجه بنحوه البخاري فى (الفتن ، باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم «من حمل علينا السلاح فليس منا» ح ٧٠٧٤) ومسلم فى (البر والصلة ، باب أمر من مرّ بسلاح ، فى مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها ٤ / ٢٠١٨ ـ ٢٠١٩ ، ح ٢٦١٤ ـ ٢٦١٥) من حديث سيدنا جابر رضي الله عنه.