وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ) ؛ من بنى إسرائيل ، (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ؛ يخافون من ذهاب ملكهم ، وهلاكهم على يد مولود منهم. والحذر : التوقي من الضرر. ومن قرأ (يرى) ؛ بالياء (١) ، ففرعون وما بعده فاعل. وبالله التوفيق.
الإشارة : العلو فى الأرض يورث الذل والهوان. والتواضع والاستضعاف يورث العز والسلطان ، والعيش فى العافية والأمان ؛ من تواضع رفعه الله ، ومن تكبر قصمه الله. وهذه عادة الله فى خلقه ، بقدر ما يذلّ فى جانب الله يعزه الله ، وبقدر ما يفتقر يغنيه الله ، وبقدر ما يفقد يجد الله. قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى عزوا ، وحكمت عليهم بالفقد حتى وجدوا. وبالله التوفيق.
ثم ذكر أول نشأة موسى عليهالسلام وما جرى فى تربيته ، فقال :
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩))
يقول الحق جل جلاله : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) ؛ بالإلهام ، أو بالرؤيا ، أو بإخبار ملك كما كان لمريم ، وليس هذا وحي رسالة ، فلا يلزم أن تكون رسولا ، واسمها : يوحانة ، وقيل : يوخابذ بنت يصهر بن لاوى بن يعقوب. وقيل : يارخا. ذكره فى الإتقان. وقلنا : (أَنْ أَرْضِعِيهِ) ؛ «أن» : مفسرة ، أي : أرضعيه ، أو : مصدرية ، بأن أرضعيه ما أمكنك إخفاؤه ، (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) من القتل (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ). البحر ، وهو نيل مصر ، (وَلا تَخافِي) عليه من الغرق والضياع ، (وَلا تَحْزَنِي) لفراقه ، (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) بوجه لطيف ؛ لتربيه ، (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). وفى هذه الآية : أمران ، ونهيان ، وخبران ، وبشارتان.
والفرق بين الخوف والحزن ؛ أن الخوف : غم يلحق الإنسان لتوقّع مكروه ، والحزن : غم يلحق الإنسان لواقع أو ماضى ، وهو الآن فراقه والإخطار به. فنهيت عنهما ، وبشرت برده وجعله من المرسلين. روى أنه ذبح ، فى طلب موسى ، تسعون ألف وليد. وروى أنها حين ضربها الطلق ـ وكانت بعض القوابل من الموكلات بحبالى بنى إسرائيل مصافية لها ، فعالجتها ، فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه ، ودخل حبه قلبها ، فقالت : ما جئت إلا لأقتل ولدك وأخبر فرعون ، ولكن وجدت لابنك حبا ما وجدت مثله ، فاحفظيه ، فلما خرجت القابلة ، جاءت عيون فرعون
__________________
(١) قرأ حمزة والكسائي (يرى) بياء مفتوحة ، و «فرعون» بالرفع فاعله ، و «هامان وجنودهما» بالرفع عطفا عليه ، وقرأ الباقون «نرى» بالنون مضمومة ، و «فرعون» بالنصب مفعوله. انظر الإتحاف (٢ / ٣٤٠).