قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))
قلت : (تمشى) : حال من (إحداهما) ، و (على استحياء) : حال من ضمير (تمشى) ، أي : تمشى مستحيية. و (القصص) : مصدر ، سمّي به المقصوص.
يقول الحق جل جلاله : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) ؛ وهى التي تزوجها ، وذلك أنه لما سقى لهما رجعا إلى أبيهما بغنمهما بطانا حفّلا ، فقال لهما : ما أعجلكما؟ فقالتا له : وجدنا رجلا صالحا رحمنا ؛ فسقى لنا أغنامنا ، فقال لإحداهما : أدعيه ، فجاءته (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) قد سترت وجهها بكفها ، واستترت بكمّ درعها. وهذا دليل على كمال إيمانها وشرف عنصرها ؛ لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ، ولم تعلم أيجيبه أم لا؟ فقالت : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) ، «ما» مصدرية ، أي : أجر سقياك لنا ، فتبعها موسى ، فألزقت الريح ثوبها بجسدها ، فوصفته ، فقال لها : امشى خلفى ، وانعتى الطريق ، فإننا بنى (١) يعقوب ، لا ننظر إلى أعجاز النساء.
(فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) ، أي : قصته وأحواله مع فرعون ، وكيف أراد قتله ، (قالَ) له : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ؛ فرعون وقومه ؛ إذ لا سلطان له على أرضنا ـ مدين ـ ، أو : قبل الله دعاءك فى قولك : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). وفيه دليل على العمل بخبر الواحد ، ولو أنثى ، والمشي مع أجنبية على ذلك الاحتياط والتورع. قاله النسفي. وفيه نظر ؛ لعصمة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ، وأما أخذ الأجر على البر والمعروف ؛ فقيل : لا بأس به عند الحاجة ، كما كان لموسى عليهالسلام ، على أنه روى أنه لمّا قالت له : (لِيَجْزِيَكَ) ؛ كره ذلك. وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها ؛ لأن للقاصد حرمة.
ولما وضع شعيب الطعام بين يديه ؛ امتنع ، فقال شعيب : ألست جائعا؟ فقال : بلى ، ولكن أخاف أن يكون عوضا مما سقيت لهما ، وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ، ولا نأخذ على المعروف شيئا ، فقال شعيب : هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا ، فأكل (٢).
__________________
(١) فى الأصول [بنو].
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٥ / ٢٣٨) لابن عساكر ، عن أبى حازم.