ثم حذّر من طاعة من يرد عن التوحيد والإخلاص ، فقال :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩))
قلت : «وصى» : حكمه حكم «أمر» ، يقال : وصيت زيدا بأن يفعل خيرا ، كما تقول : أمرته بأن يفعل خيرا ، ومنه : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) (١) ، أي : أمرهم بكلمة التوحيد ووصاهم عليها.
يقول الحق جل جلاله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) ؛ أمرناه بإيتاء والديه (حُسْناً) أي : فعلا ذا حسن ، أو : ما هو فى ذاته حسن ؛ لفرط حسنه ، كقوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (٢) أو : وصينا الإنسان بتعاهد والديه ، وقلنا له : أحسن بهما حسنا ، أو : أولهما حسنا. (وَإِنْ جاهَداكَ) أي : حملاك بالمجاهدة والجد (لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي : لا علم لك بالإلهية ، والمراد نفي العلم نفى المعلوم ، وكأنه قيل : لتشرك بي شيئا لا يصح أن يكون إلها ، وقيل : ما ليس لك به حجة ؛ لأنها طريق العلم ، فهو قوله : (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) (٣) ، بل هو باطل عقلا ونقلا ، (فَلا تُطِعْهُما) فى ذلك ؛ إذ لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
(إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) ، من آمن منكم ومن أشرك ، (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ؛ فأجازيكم حق جزائكم. وفى ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك ، وحث على الثبات والاستقامة فى الدين. روى أن سعد بن أبى وقاص لما أسلم ، نذرت أمه ألا تأكل ولا تشرب حتى يرتد ، فشكى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية والتي فى لقمان (٤).
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) ؛ ثبتوا على الإيمان (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي : فى جملتهم ، والصلاح من أبلغ صفة المؤمنين ، وهو متمنى الأنبياء ، فقال سليمان عليهالسلام : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (٥). وقال يوسف عليهالسلام : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (٦) أو : فى مدخل الصالحين ، وهو الجنة.
__________________
(١) من الآية ١٣٢ من سورة البقرة.
(٢) من الآية ٨٣ من سورة البقرة.
(٣) من الآية ١١٧ من سورة المؤمنون.
(٤) أي : قوله تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) الآية «١٥» ونزول الآية فى شأن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه ، أخرجه مسلم فى (فضائل الصحابة ، باب فى فضل سعد بن أبى وقاص ، ٤ / ١٨٧٧ ح ١٧٤٨) وانظر أسباب النزول للواحدى (ص ٣٥٠ ـ ٣٥١).
(٥) من الآية ١٩ من سورة النمل.
(٦) من الآية ١٠١ من سورة يوسف.