الإشارة : قد وصى الله تعالى بطاعة الوالدين فى كل شىء ، إلا فى شأن التوحيد والتخلص من الشرك الجلى والخفي ، فإن ظهر شيخ التربية ومنع الوالدان ولدهما من صحبته ، ليتطهر من شركه ، فلا يطعهما ، وسيأتى فى لقمان دليل ذلك ، إن شاء الله. وبالله التوفيق.
ثم ذكر شأن من امتحن فافتضح ، فقال :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ (١١))
يقول الحق جل جلاله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) ، فيدخل فى جملة المسلمين ، (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أي : مسّه أذى من الكفرة ؛ بأن عذبوه على الإيمان ، (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي : جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله ، فيصرف عن الإيمان. (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) ؛ فتح أو غنيمة ، (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي : متابعين لكم فى دينكم ، ثابتين عليه بثباتكم ، فأعطونا نصيبا من المغنم. والمراد بهم : المنافقون ، أو : قوم ضعف إيمانهم فارتدوا. قال تعالى : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي : هو أعلم بما فى صدور العالمين. ومن ذلك ما فى صدور هؤلاء من النفاق ، وما فى صدور المؤمنين من الإخلاص.
الإشارة : منافق أهل الإيمان هو الذي يظهر الإيمان فى الرخاء ويرجع عنه فى الشدة ، ومنافق الصوفية هو الذي يظهر الانتساب فى السعة والجمال ، فإذا وقع البلاء والاختبار بأهل النسبة خرج عنهم ، فإذا أوذى فى الله جعل فتنة الناس كعذاب الله بالقطيعة والحجاب ، ولئن جاء لأهل النسبة نصر وعز ، ليقولن : إنا كنا معكم. وقد رأينا كثيرا من هذا النوع ، دخلوا فى طريق القوم ، فلما قابلتهم نيران التعرف والامتحان ؛ رجعوا القهقرى ، فعند الامتحان يعز المرء أو يهان ، وعند الحملة يتميز الجبان من الشجاع.
قال القشيري : المحن تظهر جواهر الرجال ، وتدلّ على قيمتهم وأقدارهم. ثم من كانت محنته من فوات الدنيا ، أو نقص نصيبه فيها ، أو بموت قريب أو فقد حبيب ، فحقير قدره ، وكثير فى الناس مثله. ومن كانت محنته فى الله ولله ، فعظيم قدره ، وقليل مثله ، فى العدد قليل ، ولكن فى القدر والخطر جليل. ه. قلت : معنى كلامه : أن