العامة يمتحنهم الله ويختبرهم بذهاب حظوظهم وأحبابهم ، فإن جزعوا فقدرهم حقير ، وإن صبروا فأجرهم كبير ، وأما الخاصة فيمتحنهم الله بسبب نسبتهم إلى الله ، وإقبالهم عليه ، أو الأمر بمعروف أو نهى عن منكر ، فيؤذون فى جانب الله ، فمنهم من يسجن ، ومنهم من يضرب ، ومنهم من يجلى من بلده ، فهؤلاء قدرهم عند الله كبير. ثم قال : والمؤمن من يكفّ الأذى ، والولي من يتحمل من الناس الأذى ، من غير شكوى ، ولا إظهار دعوى. ه.
ولما وقعت الإذاية من الكفار للمسلمين طمعوا فيهم ، كما قال تعالى :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣))
يقول الحق جل جلاله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من صناديد قريش ، (لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) الذي نسلكه ، وهو الدخول فى ديننا ، (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) إن كان ذلك خطيئة فى زعمكم. أمروهم باتباع سبيلهم ، وهى طريقتهم التي كانوا عليها ، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم ، فعطف الأمر على الأمر ، وأرادوا ليجتمع هذان الأمران فى الحصول. والمعنى : تعليق الحمل بالاتباع ، أي : إن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم. وهذا قول صناديد قريش ، كانوا يقولون لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فإن كان ذلك فإنا نحمل عنكم الإثم.
قال تعالى : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي : ما هم حاملين شيئا من أوزارهم ، (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما ادعوا ؛ لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه ، كالكاذبين الذين يعدون الشيء وفى قلوبهم نية الخلف. (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أي : أثقال أنفسهم بسبب كفرهم ، (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) أي : أثقالا أخر غير التي ضمنوا للمؤمنين حملها ، وهى أثقال الذين كانوا سببا فى ضلالهم ، كقولهم : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١) ، (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) من الأكاذيب والأباطيل التي أضلوا بها.
الإشارة : كل من عاق الناس عن الدخول فى طريق التصفية والتخليص : تصدق عليه هذه الآية ، فيتقلد بحمل نقائصهم ومساوئهم التي بقيت فيهم ، فيحاسب عليها وعلى مساوئ نفسه. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) الآية ٢٥ من سورة النحل.