صورته التي خلقه الله عليها ، فلما رآه كذلك خرّ مغشيا عليه. وقال : ما كنت أرى شيئا من الخلق هكذا. فقال له : لو رأيت إسرافيل ، إنّ له لاثنى عشر جناحا بالمشرق ، واثنى عشر جناحا بالمغرب ، وإنّ العرش لعلى كاهله ، وإنه ليتضاءل لعظمة الله تعالى (١) ه.
(يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) أي : يزيد فى خلق الأجنحة وغيره ما يريد. وقيل : هو الوجه الحسن ، والشعر الحسن ، والصوت الحسن ، والحظّ الحسن ، والملاحة فى العينين. والآية مطلقة تتناول كلّ زيادة فى الخلق ، من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام فى الأعضاء ، وقوة فى البطش ، وحصافة العقل ، وجزالة فى الرأى ، وفصاحة فى اللسان ، وحسن خلق فى المعاشرة ، ومحبة فى قلوب المؤمنين وغير ذلك. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على ما يشاء ، من زيادة فى الخلق ، ونقصان فيها ، على حسب المشيئة السابقة.
الإشارة : الحمد فى القرآن وقع على أربعة أقسام : حمد مطلق ، وهو الواقع على عظمة ذاته ، من غير أن يكون فى مقابلة شىء ، وهو قوله : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (٢) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣) ، وحمد وقع فى مقابلة تنزيه ذاته عن النقائص ، وهو قوله : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ...) (٤) الآية. وحمد وقع فى مقابلد نعمة الإيجاد ، وهو قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ..) (٥) ، وحمد وقع فى مقابلة نعمة الإمداد الحسى ، كقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦) ، فإن التربية تقتضى وصول ما يحتاج إليه المربّى ، أو الإمداد المعنوي ، وهو إمداد القلوب والأرواح بالهداية ، وهو قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) (٧) (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا ..) (٨) فهذه أربعة : حمد مطلق ، أو مقيد بشأن التنزيه ، أو بنعمة الإيجاد ، أو الإمداد ، وما وقع هنا فى إظهار تجلياته ، من أرضه وسماواته ، ولطائف ملائكته ، فإن ذلك كله من نور جبروته.
وقوله تعالى : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) قال القشيري : يقال : هو الفهم عن الله ، أو السخاء والجود ، أو : الرضا بالتقدير ، أو : علو الهمة ، أو : التواضع فى الشرف ، أو : العفة فى الفقر ، أو : الظرف ـ أي : الظرافة ـ فى الشمائل ، أو : أن يكون محببا فى القلوب ، أو : خفة الروح ، أو : تحرّر القلب عن رقّ الحرمان ـ أي : بالوقوف مع الأكوان ـ أو : ألا يطلب لنفسه منزلة فى الدارين ـ أي : بأن يكون عبد الله حقيقة ـ. ه. ملخصا.
__________________
(١) ذكره القرطبي (٦ / ٥٥٥٨) عن الزهري.
(٢) من الآية ٥٩ من سورة النمل.
(٣) من الآية ٧٥ من سورة النحل.
(٤) الآية ١١١ من سورة الإسراء.
(٥) من الآية الأولى من سورة الأنعام.
(٦) الآية ٣٦ من سورة الجاثية.
(٧) الآية الأولى من سورة الكهف.
(٨) من الآية ٤٣ من سورة الأعراف.