الإشارة : ترى بعض الناس يقول : لئن ظهر شيخ التربية لنكونن أول من يدخل معه ، فلما ظهر ، عاند واستكبر ، وربما أنكر ومكر. نعوذ بالله من سابق الخذلان. قال القشيري : ليس لقولهم تحقيق ، ولا لضمانهم توثيق ، وما يعدون من أنفسهم فصريح زور ، وما يوهمون من وفاقهم فصرف غرور. وكذلك المريد فى أول نشاطه ، تمنّيه نفسه ما لا يقدر عليه ، فربما يعاهد الله ، ويؤكد فيه عقدا مع الله ، فإذا عضّته شهوته ، وأراد الشيطان أن يكذبه ، صرعه بكيده ، وأركسه فى كوة غيّه ، وفتنة نفسه ؛ فيسودّ وجهه ، ويذهب ماء وجهه.
ثم قال فى قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا ..) إلخ : ما خاب له ولىّ ، وما ربح له عدو ، ولا تنال الحقيقة بمن انعكس قصده ، وارتد عليه كيده ، دمرّ على أعدائه تدميرا ، وأوسع لأوليائه فضلا كبيرا. ه.
ثم تمم قوله : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) بقوله :
(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥))
يقول الحق جل جلاله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) ؛ بما اقترفوا من المعاصي (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) ؛ على ظهر الأرض ؛ لأنه جرى ذكرها فى قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (١) ، (مِنْ دَابَّةٍ) ؛ من نسمة تدبّ عليها. قيل : أهل المعاصي فقط من الناس ، وقيل : من الجن والإنس. والمشهور : أنه عام فى كل ما يدب ؛ لأن الكل خلق للآدمى. وعن ابن مسعود : (إن الجعل (٢) ليعذب فى جحره بذنب ابن آدم) (٣) ، يعنى ما يصيبه من القحط ، بشؤم معاصيه. وقال أبو هريرة : إن الحبارى (٤) لتموت هزالا فى وكرها بظلم الظالم. ه.
__________________
(١) الآية ٤٤ من السورة.
(٢) الجعل : حيوان معروف كالخنفساء. انظر النهاية فى غريب الحديث (جعل ١ / ٢٧٧).
(٣) عزاه السيوطي فى الدر (٥ / ٤٨٠) للفريابى ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه.
(٤) الحبارى : طائر معروف ، وهو على شكل الإوزة ، برأسه وبطنه غبرة ، ولون ظهره وجناحيه كلون السمانى غالبا. والجمع حبابير ، وحباريات. انظر اللسان (حبر) مع تعليق محققه.
وقال : ابن الأثير فى النهاية (١ / ٣٢٨) : وإنما خصها بالذكر لأنها أبعد الطير نجعة ، فربما تذيح بالبصرة ، ويوجد فى حوصلتها الحبة الخضراء ، وبين البصرة وبين منابتها مسيرة أيام.