ثم ذكر لوطا عليهالسلام ، فقال :
(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨))
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ نَجَّيْناهُ) أي : واذكر إذ نجيناه (وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ، إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) ؛ فى الباقين ؛ لأنها شاركتهم فى عصيانهم ، فحقّ عليهم العذاب مثل ما حق عليهم ، (ثُمَّ دَمَّرْنَا) : أهلكنا (الْآخَرِينَ ، وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ) ؛ داخلين فى الصباح ، (وَبِاللَّيْلِ) أي : ومساء ، أو : نهارا وليلا. ولعل مدينتهم الخالية كانت قريب منزل ينزل به المسافر ، فيغدوا منه ذهابا ، ويروح إليه إيابا ، فكانت قريش تنزل به وتروح عنه فى متاجرهم إلى الشام ، فتشاهد آثارهم والدارسة ، وديارهم الخالية. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ؛ أفما فيكم عقول تعتبرون بها؟ وإنما لم يختم قصة لوط ويونس بالسلام ، كما ختم قصص من قبلهما ؛ لأن الله تعالى قد سلّم على جميع المرسلين فى آخر السورة ، أو : تفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع ، من أولى العزم.
الإشارة : ينبغى لمن له عقل إذا مرّ بآثار من سلف قبله أن يعتبر ، وينظر كيف كان حالهم ، وإلى ما صار إليه مآلهم ، وأنه عن قريب لا حق بهم ، فيتأهب للسفر ، ويتزود للمسير. وبالله التوفيق.
ثم ذكر قصة يونس ، فقال :
(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨))