وفائدته : أن الذباب لا تجتمع عنده ، وأنه أسرع الأشجار نباتا ، وامتدادا ، وارتفاعا ، وأن ورقه باطنها رطبة. وقيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنك لتحب القرع ، فقال : «أجل ، هى شجرة أخى يونس» (١) ، قلت : ولعلها النوع الذي يسمى اليوم «السلاوى» ؛ لأنه هو الذي ورقه لينة ، وفيه منافع.
روى أن ظبية كانت تختلف إليه ، فيشرب من لبنها بكرة وعشية ، حتى نبت لحمه ، وأرسل الله تعالى على اليقطين دابة تقرض ورقها ، فتساقطت حتى أذته الشمس ، فشكاها إلى الله تعالى. وفى رواية : فحزن عليها ، فقيل له : أنت الذي لم تخلق ، ولم تسق ، ولم تنبت ، تحزن عليها وأنا الذي خلقت مائة ألف من الناس أو يزيدون تريد منى أن أستأصلهم فى ساعة واحدة ، وقد تابوا ، وتبت عليهم ، فأين رحمتى يا يونس ، أنا أرحم الراحمين (٢). ه.
(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ) ، المراد به القوم الذين بعث إليهم قبل الالتقام ، فتكون «قد» مضمرة ، (أَوْ يَزِيدُونَ) فى مرأى الناظر ، أي : إذا رأها الرائي قال : هى مائة ألف أو أكثر. وقال الزجّاج : «أو» بمعنى «بل». وقيل : بمعنى الواو. قال ابن عباس : زادوا على مائة ألف عشرين ألفا. وقال الحسن : بضعا وثلاثين ألفا. وقال ابن جبير : سبعين ألفا. وقيل : وأرسلناه بعد الالتقام إلى مائة ألف. وقيل : قوما آخرين. (فَآمَنُوا) به ، وبما أرسل به ، (فَمَتَّعْناهُمْ) بالحياة (إِلى حِينٍ) منتهى أجلهم ، ولم يعاجلوا ، حيث تابوا وآمنوا.
الإشارة : فى قصة يونس نكتة صوفية ، ينبغى الاعتناء بها ، وهو أن العبد إذا زلّت قدمه ، وانحط عن منهاج الاستقامة ، لا ييأس ولا يضعف عن التوجه ، بل يلزم قرع الباب ، ويتذكر ما سلف له من صالح الأعمال ، فإن الله تعالى يرعى ذمام عبده ، كما يرعى العبد ذمام سيده ، وفى حال البعد والغضب يظهر المحب الصادق من الكذّاب ، وفى ذلك يقول ابن وفا رضي الله عنه :
ونحن على العهد نرعى الذمام |
|
وعهد المحبين لا ينقضى |
صددت فكنت مليح الصدود |
|
وأعرضت أفديك من معرض |
وفى حالة السخط لا فى الرضا |
|
بيان المحب من المبغض. |
__________________
(١) عزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥ / ٥٤٤) لعبد بن حميد ، وابن جرير ، عن شهر بن حوشب.
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٥ / ٤٥٤ ـ ٥٤٦) لعبد الرزاق ، وأحمد فى الزهد ، وعبد بن حميد ، عن وهب.