القصار رضي الله عنه : (اصحب الصوفية ؛ فإن للقبح عندهم وجوها من المعاذير ، وليس للحسن عندهم كبير موقع يعظمونك به) ؛ إشارة إلى أن العجب بالعمل منفى فى صحبتهم. وقال سيدنا على رضي الله عنه : شر الأصدقاء : من أحوجك إلى المداراة ، وألجأك إلى الاعتذار. وقال أيضا : شر الأصدقاء من تكلّف له. ه. وليوسف بن الحسين الداراني رضي الله عنه :
أحبّ من الإخوان كلّ مواتى |
|
فيّا غضيض الطّرف عن عثراتى |
يوافقنى فى كل أمر أحبه |
|
ويحفظنى حيا وبعد مماتى |
فمن لى بهذا ، ليتنى قد وجدته |
|
فقاسمته مالى من الحسنات |
والحاصل من هذا : أن صحبة الصوفية هى التي يحصل بها كمال الانتفاع للصاحب ، دون من عداهم من المنسوبين إلى الدين والعلم ؛ لأنهم خصوا من حقائق التوحيد والمعرفة بخصائص ، لم يساهمهم فيها أحد سواهم. وسريان ذلك من الصاحب إلى المصحوب هو غاية الأمل والمطلوب ، فقد قيل : من تحقّق بحالة لم يخل حاضروه منها. انتهى من التنبيه. وبالله التوفيق.
ولما رأى صلىاللهعليهوسلم إعراض قومه عنه ، شكى إلى ربه ، فقال :
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١))
قلت : (وقال الرسول) : عطف على : (وقال الذين لا يرجون ..) ، وما بينهما : اعتراض ؛ لبيان قبح ما قالوا ، وما يحيق بهم فى الآخرة من الأهوال والخطوب.
يقول الحق جل جلاله : (وَقالَ الرَّسُولُ) ؛ محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإيراده بعنوان الرسالة ؛ للرد فى نحورهم ، حيث كان ما حكى عنهم قدحا فى رسالته صلىاللهعليهوسلم ، أي : قال ، إثر ما شاهد منهم من غاية العتو ونهاية الطغيان ، شاكيا إلى ربه ـ عزوجل ـ : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) ، يعنى : قريشا الذي حكى عنهم ما تقدم من الشنائع ، (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ) ، الذي من جملته الآيات الناطقة بما يحيق بهم فى الآخرة من فنون العقاب ، (مَهْجُوراً) أي : متروكا بالكلية ، فلم يؤمنوا به ويرفعوا إليه رأسا ، ولم يتأثروا بوعظه ووعيده ، وهو من الهجران ، وفيه تلويح بأن حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن ؛ لئلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم. قال أنس : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من تعلّم القرآن