فيها ، وهرب البساسيرى وزمرته إلى الموصل ليواصل حربا أهلية شرسة ضد السلاجقة الذين سولت لهم أنفسهم حماية الخلافة ، وشد البويهيون أزر البساسيرى طمعا في استرداد ملكهم. وتمكن البساسيرى من دحر السلاجقة ثم الاستيلاء على بغداد سنة ٤٥٠ ه معلنا الخطبة للخليفة الفاطمى المستنصر ، وواصل مسيرته من بغداد متجها نحو الجنوب فاستولى على واسط ثم البصرة. وكانت في هذه الأثناء قد وصلت الإمدادات إلى طغرلبك من سلاجقة فارس وخراسان فأعاد الكرة واستولى على بغداد ، وهاجم البساسيرى الذى هرب قاصدا الشام ، فتعقبه رجال طغرلبك وتمكنوا من أسره ، وأمر السلطان بإعدامه.
الباطنية :
كانت هذه الفرقة من الإسماعيلية أشد الفرق خطرا على الإسلام والمسلمين. وتنبثق خطورتها من قوة تنظيماتها وسيطرتها التامة على أتباعها. ودعوتهم ـ شأن الدعوات السرية والإرهابية ـ لها وجهان : ظاهر وهو أنهم فرقة من الشيعة الإسماعيلية. وباطن وهو يشتمل على تفاصيل عقدية وتشريعية تجعل الباطنية أول مذهب شمولى منظم يلبس قميص المسلمين ليتمكن من تدميرهم ، ولا تختلف كوادره في جوهرها عن كوادر الشموليات الحديثة.
ومن تعاليمهم الشمولية المدمرة :
١ ـ اعتقادهم العصمة في الإمام ، ويطلقون على أنفسهم لقب (التعليميين) منطلقين من مبدأ (لا تعليم بدون معلم) ليبنوا على هذه القاعدة أن كل معلم لا يصلح للتعليم لتعرضه حتما للوقوع في الخطأ ، وينتهون من هذا إلى حتمية الحاجة إلى إمام معصوم يتلقى المتعلم عنه ما يقيه شر الضلال والانحراف. وقد فند أهل السنة آراء التعليميين وانبرى الإمام الغزالى لدحض أباطيلهم ، والكشف عن أسرارهم مبينا ألا معصوم بعد الذى أنزل عليه القرآن صلوات الله وسلامه عليه. (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١).
وينفذون من عقيدة عصمة الإمام إلى أحكام تستلزم خضوع أتباعهم خضوعا كليا ، وأهمها :
١ ـ رفض كل إمامة عدا إمامة المعصوم ، وبذل النفس والمال في سبيله والطاعة المطلقة لمن ينوب عنه.
٢ ـ اتخاذ الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضهم : إذ تسقط الباطنية كل القيم ويستحلّون كل بغى وفساد في سبيل الوصول إلى أهدافهم : فأباحوا الحرابة ، وقطع الطرقات ، والثورة على الحكام ، وسخّروا العصابات للنهب والسلب وإشعال الحروب الداخلية لقلب
__________________
(١) المائدة : ١٦.