التشابه له معنيان :
الأول : بمعنى المماثلة :
قال الفيروزآبادى فى البصائر (١) فى مادة التشابه : «الأصل فيه ألا يميز أحد الشيئين عن الآخر لما بينهما من التشابه لفظا كان أو معنى».
وقد جاء ذلك وصفا للقرآن العظيم : يقول الله تبارك وتعالى :
(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) من الآية : ٢٣ سورة الزمر.
قد تشابهت آياته فى التنزه عن كل وصف يلحقه بكلام المخلوقات ، وتماثلت فى كل وصف يوصف به كلام رب العالمين ، منبئة أنها تنزيل من حكيم حميد هدى ورحمة للعالمين (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ).
كذلك وصف آيات القرآن بالإحكام قال الله تعالى : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) الآية : ١ سورة هود.
والمراد هنا الإحكام العام : فلا يلحق آيات القرآن العظيم خلل أو قصور أو تفاوت فى النسق والإعجاز. كتاب أحكمت آياته إحكاما لا يرتاب معه عاقل فى أنها منزّلة من الله تعالى على أفضل خلقه وأكمل رسله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ، قد حملت من البراهين لمن تدبّرها من أولى الألباب ما يعلن أنها كلام الله عزوجل : منها يتفجر كل كمال لا نهائى ، ومنها تسطع أنوار الهداية بلا حدود ، وتدكدك سطواتها معاقل الباطل منبئة أنها من لدن حكيم خبير.
هذان الوصفان لكتاب الله تعالى نزلا فى سورتين مكيتين ، وقد تقدم نزول وصف الإحكام أولا فى سورة هود ، وترتيبها فى النزول بين السور المكية الحادية والخمسون (٢).
وتلاه الوصف بالمتشابه فى سورة الزمر وترتيب نزولها بين السور المكية الثامنة والخمسون (٣).
الثانى : التشابه بمعنى الالتباس أو الإشكال :
قال الليث : «المشتبهات من الأمور المشكلات». وقال ابن الأعرابى : «شبه الشيء : إذا أشكل». وقال ابن قتيبة : «أشكل أى دخل فى شكل غيره فأشبهه وشاكله. ثم
__________________
(١) الفيروزآبادى : بصائر ذوى التمييز ١ / ٢٩٣.
(٢) المصدر السابق ١ / ٩٨.
(٣) الزركشى : البرهان فى علوم القرآن ١ / ١٩٣.