ربطوا التشابه بالالتباس والشك ، وإن لم يكن هذا حاصلا فى الأمر أو الشيء بل للشبه بالغير» (١). وسيأتى مزيد بيان عن ذلك فى الكلام على آية سورة آل عمران.
الأصل فى علوم المتشابه آية سورة آل عمران : قال الله تعالى :
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) الآية : ٧.
التنبيه إلى ما فى الآية الكريمة من دلائل الإعجاز :
١ ـ من صفات آيات الكتاب العزيز أن منها المحكم ومنها المتشابه :
والمراد بالإحكام هنا : وضوح المعنى فلا يحتمل اللفظ إلا معنى واحدا.
أما المتشابه فهو ما احتاج فهمه إلى تأمل وتدبر لأن لفظه يحتمل أكثر من معنى أو لأنه يدل على بعض ما استأثر الله تعالى بعلمه مثل قيام الساعة ، أو لأنه يدل على ما يحسن فيه تفويض علمه إلى الله تعالى مثل آيات الصفات والأفعال.
قال الإمام الماتريدى (٢) : «المتشابه فى القرآن هو الذى تعلق به كثير من المشركين حتى نزل قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) الآية».
وعرّف الشافعية المتشابه بأنه : «ما لم يتضح معناه : وعليه يكون مجازا أو كناية عما لا يتضح معناه» وهو قريب من قول ابن قتيبة. وقد سبق ذكره.
وذهب الأحناف إلى أنه : «هو الخفى الذى لا يدرك معناه عقلا ولا نقلا وهو ما استأثر الله تعالى بعلمه : كعلم الساعة والحروف المقطعة فى أوائل السور».
ونقل القاضى أبو يعلى مذهب الحنابلة عن الإمام أحمد أن «المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان ، والمتشابه ما احتاج إلى بيان».
٢ ـ الالتباس إنما يرجع إلى طالب المعنى لا إلى النصّ :
فالقرآن العظيم نزل (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الآية : ١٩٥ سورة الشعراء. (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الآية : ٢ سورة يوسف. (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الآية : ٣ سورة فصلت.
ومن المقاصد الواضحة لنزول القرآن العظيم بلسان عربى مبين : الفهم الحق ، والإدراك الدقيق لمعانى القرآن ، والمعرفة التامة بأهدافه ، ومراميه ، وامتثال أوامره واجتناب
__________________
(١) ابن قتيبة : تأويل مشكل القرآن ١ / ٧٥ ـ ط سنة ١٣٧٣ ه.
(٢) أبو منصور الماتريدى : تأويلات أهل السنة ١ / ٦٤ ـ ط ١٣٩١ ه.