نواهيه ، والتمسك بهديه. ومن أهم هذه المقاصد : تحدى العالمين : العرب خاصة ، والناس عامة فيما تحداهم فيه.
فمصدر الزيغ إذن هو القابلية والاستعداد عند الذين فى قلوبهم مرض وهذه القابلية تدفعهم إلى تتبع ما تشابه منه ابتغاء حمله على المعانى المؤيدة لأهوائهم ، ليتمكنوا من فرض زيغهم وضلالهم على غيرهم ، مع الظهور أمام الناس بمظهر المتمسك بالكتاب والسنة ؛ وهم فى الحقيقة أشد الناس تحريفا للكلم عن مواضعه ، وهم يعلمون ذلك ولا يجهلونه.
قال الإمام الألوسي (١) :
«(وَأُخَرُ) نعت لمحذوف معطوف على آيات أى «وآيات آخر». ووصف (أُخَرُ) بقوله سبحانه : (مُتَشابِهاتٌ) وهو فى الحقيقة صفة لمحذوف أى «محتملات لمعان متشابهات لا يمتاز بعضها على بعض فى استحقاق الإرادة» ولا يتضح الأمر إلا بالنظر الدقيق وعدم الاتضاح قد يكون للاشتراك أو للاحتمال أو لأن ظاهره التشبيه. فالتشبيه فى الحقيقة وصف لتلك المعانى وصف به الآيات على طريقة وصف الدال بما هو وصف للمدلول .. وعليه يكون التشابه مجازا أو كناية عما لا يتضح معناه».
٣ ـ ليس هناك نص فى تعيين الآيات المحكمات والآيات المتشابهات :
ومعنى ذلك أن معرفة المحكم والمتشابه مردها إلى ما قذفه الله تعالى من النور فى قلوب الذين أوتوا العلم فأعطاهم هذه المعرفة ؛ ولذا اختلف المحكم والمتشابه بالنسبة للأفراد والعلماء بحسب دائرة علم كل منهم. فقد تكون الآية من المتشابه عند شخص ثم يعلم تأويلها ، فتصبح عنده من المحكم. وبالعكس قد تكون الآية محكمة ولكنها بالنسبة لمن يلتبس عليه معناها تكون من المتشابه.
٤ ـ لا يعلم حقيقة تأويل محكمه ومتشابهه إلا الله تعالى :
إن علم العالمين لا يتجاوز مرتبة الإمكان ولا يتعداها بحال ، وليس فى وسع المخلوقات حصر تأويل نهائى لمعانى القرآن العظيم ؛ إذ أن علم المخلوقات مجتمعة فى كل ما يربطهم بالله تعالى لا يبلغ كنه حقيقة آية من آيات الذكر الحكيم. وما علم المخلوق بالنسبة إلى كلام الخالق إلا كنسبة العدم إلى ما لا نهاية. ومعنى هذا : أنه لا نهاية للترقى فى معرفة علوم الكتاب العزيز ، كما يعنى أيضا أن كل ما حرره العالمون من تفاسير لكتاب الله تعالى لا يبلغ قطرة بالنسبة لما حواه من العلوم ؛ ويعنى كذلك أن مرتبة الإيمان تقتضى تفويض علم حقيقة كلامه عزوجل إليه سبحانه. وهذا هو ما يقتضيه الوقوف عند لفظ الجلالة فى قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ).
__________________
(١) الإمام الألوسي : روح المعانى ٣ / ١١٥.