بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
للحمد لله الذى منّ على عباده بالمنة الكبرى التى أحاط جلالها وجمالها وقدرها بكل منة ؛ إذ أنزل على عبده الكتاب (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١) ؛ قد أحاط بالحقائق فاندرجت فيه كل حقيقة ، وأحاط بسبل الهداية فلم يجد الضلال سبيلا إلى من جعل القرآن منهاجه وطريقه ، وهيمن على الكمالات فكل كمال من خزائنه متدفق ، وخشعت لسطوات جلاله القلوب المصغية للحق ، المقبلة عليه ، فلو ذاب أهل السموات والأرض عند تلاوته عليهم أو صعقوا لحقّ لهم ذلك (مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) (٢).
(مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) واضحة المعانى ظاهرة الدلالة ، من تمسك بها فقد عصم نفسه من الزيغ ، وهدى إلى الصراط المستقيم (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) يرجع إليها المؤمنون كلما ارتج الأمر عليهم في قضية من قضايا الفكر ، أو أزمة من أزمات المعرفة التى تزخر بها حياة الإنسان (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) يضطرب في بحار معانيها هؤلاء الذين استقلوا في نظرها بعقولهم المنقطعة عن الله تعالى ، وعن المحكم (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٣).
لك الحمد ربنا ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش على ما أسبغت علينا من نعمك ظاهرة وباطنة ، والصلاة والسلام على من أرسلته رحمة للعالمين ليبين لهم أسرار دقائق التنزيل ، فما ترك صلوات الله وسلامه عليه طريقا إلى الله تبارك وتعالى إلا وقد بيّنه ، وأرشد إليه ، ولا سببا قاطعا عن الله عزوجل إلا وقد حذّر منه ونهى عنه.
جزاه الله تعالى عنا خير ما جازى به نبيا عن أمته ، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد :
__________________
(١) سورة يوسف من الآية : ١١١.
(٢) سورة الزمر من الآية : ٢٣.
(٣) سورة آل عمران من الآية : ٧.