قبل العظام ، أو الذكر له بالتراب على الأجداد والماضين الذين تحولت أبدانهم إلى تراب تماماً ، وللدلالة بالعظام إلى الأباء والامهات الذين فارقوا الحياة قريباً ، أو لأنّ عودة الحياة إلى التراب أبعد إلى التصديق من عودته إلى العظام ، لذا تقدمت كلمة التراب ، وفي كل الأحوال فيه بيان لشدّة معارضتهم لهذه المسأله.
* * *
إن هي إلّاحياة واحدة وموتة واحدة :
وفي الآية السابعة والاخيرة نلاحظُ تعبيراً جديداً أيضاً ، وهو إن مشركي العرب ومنكري المعاد من دون أن يتحدّثوا عن الرفات والتراب وأمثال هذه الامور ، ادّعوا بدون دليل : (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ* إِن هِىَ إِلّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحنُ بِمُنْشَرِينَ).
الأمر العجيب في هذه الآية أنّ هؤلاء قالوا إن هي إلّاموتتنا الاولى ، فلماذا اتوا بهذا التعبير بينما كان عليهم أن يقولوا : إن هي إلّاحياتنا الاولى؟
وقد أجاب المفسرون عن هذا السؤال بأجوبة مختلفة ، ولكن الجواب الأكثر مناسبة أن يقال إنّهم كانوا يقصدون من كلامهم هذا إنّه لا يوجد بعد هذه الحياة إلّاالموت ولا شيء يحدث بعد الموت ، أيْ لا يوجد هناك حياة اخرى.
وآخر الكلام في هذه الآية قال الزمخشري بعد أن طرح هذا الإشكال في الكشاف : إنّه قيل لهم إنّكم تموتون موتة تتعقبها حياة ، كما تقدّمتكم موتة قد تعقبتها حياة ، وذلك قوله عزوجل : (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ). (البقرة / ٢٨)
فقالوا : (إِنْ هِىَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى) يريدون : ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلّا الموتة الاولى دون الموتة الثانية وما الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلّا للموتة الاولى خاصة (١).
لكنّ التكلف واضح على هذا التفسير ، والتفسير الأول هو المناسب (فتأمل).
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٢٧٩ في ذيل الآية مورد البحث.