واختراعهما مع عظمهما وكثرة أجزائهما يقدر على إعادة خلق البشر (١).
والإتيان بجملة : (وَلَكِنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ) كما قال كثير من المفسّرين : ليس بمعنى أنّهم في الواقع لا يعلمون بأنّ «خلق السماواتِ بتلك الدقّة والعظمة أرقى من اعادة خلق الإنسان» ، بل قد نُزِّلوا منزلة الجاهل في هذه الامور لأنّهم غفلوا عنها ولم يفكّروا ويُمْعِنوا فيها وذلك لتعصبهم واتباعهم الهوى فضلوا في أمر المعاد (٢).
والعجيب هنا هو أنّ في تلك العصور لم تكتشف بعدُ عظمة السماواتِ كما هو الحال في عصرنا الحاضر ، والقليل من الناس كان له اطلاع آنذاك على الأسرار العظيمة التي كُشفت عن طريق التقدم العلمي في العصور الحديثة ، وكانوا لا يعلمون منها إلّاظاهرها ، لكنّ القرآن الكريم المترشح من علم الله اللامحدود رفع الحجاب عن تلك الأسرار.
وهناك ملاحظة هي : أنّ اللام في «لخلق» هي «لام الابتداء» ظاهراً وقد جاءت هنا للتأكيد.
* * *
وفي الآية الثانية وبعد أن نقل كلام المنكرين الذين انكروا إعادة خلق الإنسان بعد استحالة عظامه وصيرورتها تراباً ، قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوا انَّ اللهَ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ).
التعبير بـ «مثل» هنا من الممكن أن يكون للدلالة على خلق البشر ثانياً ، لأنّ خلقهم يكون كالسابق ، ومن الممكن أيضاً أن يكون للدلالة على أنّ الله تعالى قادرٌ على خلق آخرين من البشر من جديد كما خلق هؤلاء ، فكأنّه يقول عندما يكون الله قادر على خلق هؤلاء فإنّه قادرٌ على خلق غيرهم.
وهناك احتمال آخر هو أنّ الأبدان المخلوقة من جديد مهماكانت فهي ليست عينَ تلك الأبدان السابقة ، وذلك لأنّ مادّتها الاولى تعود مع كيفية وهيئة جديدة غير تلك
__________________
(١) تفسير الطبرسي ، ج ٨ ، ص ٥٢٩ ؛ وتفسير القرطبي ج ٨ ، ص ٥٧٦٩ ؛ وتفسير روح البيان ج ٨ ، ص ١٩٩.
(٢) تفاسير مجمع البيان ؛ الكشاف ؛ وروح المعاني ذيل الآية مورد البحث.