وفي الآية الخامسة جاء هذا المعنى على لسان «الراسخين في العلم» فهؤلاء أيضاً خلال مناجاتهم مع الله أكّدوا على أمر المعاد والحشر واعتبروه من أوضح الامور المسلّمة حين قالوا : (رَبَّنَا انَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَارَيْبَ فِيهِ).
ولشدّة التأكيد أضافت الآيةإلى ذلك : (انَّ اللهَ لَايُخْلِفُ المِيْعَادَ).
وفي هذه الآية أيضاً جاء عدد من التأكيدات مثل كلمة «إنّ» و «الجملة الاسمية» وجملة «لاريب فيه» وجملة (إِنّ الله لا يخلف الميعاد).
* * *
إنكار المعاد هو عين الضَلال :
إلى هنا كان الكلام في التأكيدات على مسألة المعاد ، ولكن الآيات الخمس المتبقية من آيات بحثنا تشتمل على تهديدات مختلفة وجِّهت إلى جاحدي الحشر والمعاد وكل آية لها تعبير خاص ، ففي الآية السادسة مثلاً قال تعالى : (الا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفى ضَلَالٍ بَعْيدٍ).
«يمارون» : من «المراء» أو «المرية» ، قال في «مقاييس اللغة» إنّها على معنيين :
الأول : شَدّ اليد على ثَدْي الحيوان لحلب اللبن ، والمعنى.
الثاني : الصلابة والرصانة ، لكن الراغب لم يذكر في المفردات إلّاالمعنى الأول.
ثم إنّ هذه الكلمة جاءت بمعنى الشك والترديد ، وإن قال الراغب إنّ لها مفهوماً أضيق دائرةً من الشك (من المحتمل أنْ يكون السبب في ذلك هو أنّ «المرية» يُفهَمُ منها معنى الشك المقرون بالبحث والتحقيق ، كما هو الحال في حالِب اللبن فإنّه يبذل جهداً لاستخراج اللبن من الثدي).
أمّا «المماراة» فهي بمعنى المجادلة في البحث والتعصب في الجدل أو أنّ كلّاً من الطرفين يريد أن يقرأ أفكار الطرف الآخر ، أو كما قال صاحب المقاييس إنّ كِلا المعنيين يشتملان على الصلابة والتزمُّت في البحث ، كما اشيرَ أعلاه بأنّ الصلابة هي أحد معاني المرية.