الحقيقة كأنّه يواجِهُ حقيقةً غيرَ التي سمعها سابقاً ويجد نفسه أمام صورة جديدة من صور تلك الحقيقة ، فلا يصبح تكرارها مملًّا أو غير نافعٍ له ، فالإنسان يتلقّى دروساً جديدة باستمرار ، ونحن نشاهد في مسألة احياء الأرض الميتة في الآيات المعنيّة بالبحث نموذجاً لذلك.
ومن الجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم في هذه الآية التي عطفها على مسألة التطورات الجنينية يؤكد على أنّ حياة الإنسان والحيوان والنبات تقع جميعها تحت مقولة واحدة ، وكل نموذج نراه ونلمسه في هذه الثلاثة ، يكون دليلاً على إمكان المعاد لغيرها من المخلوقات ، فالتعبيرُ ب «ترى» كالتعبير بـ «انظر» في الآية السابقة وكلاهما للتأكيدِ على أنّ قيامة النباتات أمرٌ محسوس ومشاهد.
و «اهتزّت» : من مادة «اهتزاز» المشتقّة من «هزّ» بمعنى الحركة الشديدة ، وفسّرها البعض بمعنى الحركة الجميلة الجذّابة ، وقد جاءت هنا للدّلالِة على التغيرات الجميلة والحركات المختلفة التي تحصل بفعل نمو أنواع النباتات التي تظهر على سطح التربة.
و «رَبَتْ» : من مادة «ربوّ» وجاءت هنا بمعنى نموّ الأرض لا نمو النباتات ، والمراد من نمو الأرض هنا هو بروز اجزاء من التربة بفعل خروج النباتات وتوغّل الجذور وظهور سيقان النباتات ، أمّا الذين فسّروا هذه الجملة بأنّها تدلّ على نموّ النباتات فإنّهم في الحقيقة غفلوا عن مفاد الجملة المتأخرة عنها ، لأنّه تعالى يقول : (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوجٍ بَهِيجٍ).
* * *
وتحمل الآية الخامسة في طيّاتها نفس محتويات الآية السابقة ولكنّها تختلف عنها بعدّة أمور : أولاً أنّها اعتبرت احياء الأرض الميتة دليلاً على أصل التوحيد بالإضافة إلى دلالتها على المعاد ، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ). (إِنَّ الَّذِى أَحيَاهَا لُمحْىِ الْمَوتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شىٍء قَدِيرٌ).
وثانياً عبّرت عن الأرض الميتة ب «الخاشعة» ، قال في «الميزان» هي الأرض القاحلة ،