٥ ـ والظريف في الأمر هو أنّ كافة التحولات الهائلة والعجيبة التي تحدث في مرحلة الحياة الجنينية ، حيث إنّ الفترة التي تمربها النطفة ، تلك الذرة الصغيرة حتى تصل إلى مرحلة الإنسان الكامل ، تمثل فترة قصيرة تساوي التسعة أشهر ، ففي هذه الفترة تحدث أمور عجيبة وغريبة ، لو سطرناها في كتاب فإنّ الوقت اللازم لقراءة هذا الكتاب يستغرق زماناً أطول من تسعة أشهر ، فأمام هذه الآيات والعلامات الواضحة ، هل يمكن لأحد أن يفسح مجالاً للشك والريبة في مسألة إمكان المعاد؟!
* * *
وفي الآية الثانية جي بنفس هذا المعنى ولكنها أَتَتْ بنحوٍ آخر وهي في الحقيقة بيانٌ لما جاء في بداية سورة القيامة في قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أنْ لنْ نَّجمَعَ عِظَامَهُ)؟!
فإنّه تعالى يتحدّاهم ويقول لهم ماذا تظنون؟ (الَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنىٍ يُمنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوجَينِ الذَّكَرَ وَالْانْثَى). (أَلَيسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى انْ يُحْيِىَ الْمَوْتَى).
فهو يكتفي في هذه الآية بذكر أربع مراحل لتطورات الجنين فقط : مرحلة النطفة ، فالعلقة ، فتسوية الأعضاء ، وظهور جنس الجنين ذكراً هو أم انثى.
و «النطفة» : على ماقاله بعض أصحاب اللغة هي بمعنى الماء الصافي ، ولهذا اطلقوا كلمة نَطَفَ» على اللؤلؤ (١).
لكنّ البعض فسّروها بمعنى الكميّة القليلة من ماء ، أو ما تبقّى من الماء في الأناء (٢).
وصرّح البعض الآخر أيضاً بأنّ النطفة هي بمعنى الماء الصافي ، قليلهُ أم كثيرهُ (٣).
والبعض الآخر اعتبر هذه المعاني كلّها جزءً من معاني النطفة ولكنّ الفرق هو أنّ «النُّطْفَة» بمعنى الماء الصافي أو الماء القليل و «النُّطفَة» بمعنى اللؤلؤ.
__________________
(١) مقاييس اللّغة ومفردات الراغب.
(٢) لسان العرب.
(٣) قاموس اللّغة ومجمع البحرين ولسان العرب.