ومن الجدير بالذكر أنّه طبقاً للتحقيقات التي اجراها مؤخراً بعض العلماء هو أنّ هذا الماء القليل الذي يسمى «بالنطفة» مركّب من مياه مختلفة تترشّح من غدد مختلفة في الجسم ، فقسمٌ منه يترشّح من البيضتين اللتين تحتويان على مادّة «الاسبرماتوزوئيد» ، وقسمٌ منه يترشّح من أكياس البَيْض التي توجد بالقرب من غدّة «البروستات» ، القسم الثالث يترشّح من نفس غدّة «البروستات» فيستمدّ شكله الظاهري ورائحته الخاصّة من تلك الغدّة والقسم الرابع يترشّح من غدد «الكوبر» وغدد «الليترة» اللتين تقعان جنب مجاري الادرار.
وهذه المياه الخمسة تختلط مع بعضها بنسب دقيقة ومبرمجة وتشكّل مادّة الحياة ، ومكتشف هذه المعلومات عالم فرنسي شُغف بحب القرآن والإسلام وكتب كتاباً في هذا المجال ، ويعتقد هذا العالم بأنّ كلمة «امشاج» (أي مختلط) التي ورد ذكرها في القرآن كان محتواها خفياً على الناس والعلماء. أقتبست هذه العبارات من كتاب (المقايسة بين التوراة، والانجيل والقرآن والعلم) تأليف الدكتور بوكاري وترجمة المهندس ذبيح الله دبير (ص ٢٧١).
وعلى أيّة حال فإنّ اطلاق هذه العبارة على الماء الذّي يتدفّق من الرجل عند ممارسته العملية الجنسية هو من أجل التناسب الواضح الموجود بينها وبين المعنى الرئيسي.
و «مَنيّ» : من مادة «مَنْي» (على وزن مَنْعْ) وهي بمعنى تعيين العاقبة والتقدير ، لذلك أطلقُوا «المنيّة» على الموت و «الأُمنيّة» على الآمال ، والسبب في اطلاق هذه الكلمة على الماء الذي يخرج من صلب الرجل لأنّه قُدّر له أن يكون إنساناً (١).
بناءً على هذا يكون مفهوم جملة : (أَلَمَ يَكُ نُطْفَةً مِنّ مَّنىٍّ يُمْنَى) هو : ألمْ يكن الإنسان في بدايته ماءً مهيناً قُدِّر أن يُخلق الإنسانُ منه (٢)؟
إنّ كل مرحلة من المراحل الأربعِ التي بينتها هذه الآية نموذج واشعاع جديد من الحياة الدنيا والحياة بعد الموت ، ومن الممكن أن تكون كل مرحلة دليلاً واضحاً على قدرة الخالق
__________________
(١) تاجُ العروس في شرح القاموس.
(٢) لكنّ عدداً من المفسرين لم يفسروا «يُمنى» بمعنى التقدير ، بل فسّروها بمعنى تدفّق ذلك الماء في الرحم. على أيّة حال فإنّ «من» هنا بيانية لا تبعيضية.