٢ ـ إبراهيم عليهالسلام والمعاد
إنَّ قصّة إبراهيم عليهالسلام و «الطيور الأربعة» تعتبر من النماذج التاريخية الحيّة التي استدل بها القرآن الكريم على قضية المعاد ، وقد ورد ذكر هذه القصة بعد ذكر قصة عزير عليهالسلام مباشرة ، قال تعالى :
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَّ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِيْنَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ انَّ اللهَ عَزيزٌ حَكِيمٌ). (سورة البقرة / ٢٦٠)
لو أمعنّا النظر في ظاهر الآية بعيداً عن أي حكم مسبق وبعيداً عن تأثير آراء ونظرات الآخرين نراها تدلّ بوضوح على أنّ إبراهيم عليهالسلام كان يريد أن يرى كيفية احياء الموتى ليطمئن قلبه ، فأُمِرَ أن يمارس عملياً نموذجاً حيّاً لاحياء الموتى بإذن الله ، وهو أن يجعل أجساد الطيور الأربعة بعد ذبحها وسحقها كالعجين ثم يجعل عدّة أجزاء من العجين على عدّة جبال وبعد أن يدعو هذه الأجزاء إليه تصبح طيوراً أربعة كما كانت بإذن الله وتُعاد إليها الحياة من جديد.
كما أنّ السبب الذي أشار إليه الكثير من المفسرين في شأن نزول هذه الآية الشريفة يؤيد هذا المدعى ، فقد مرّ إبراهيم عليهالسلام على ساحل البحر فوجد جيفة نصفها في الماء والنصف الآخر على الساحل تأكل منها حيوانات البحر من جانب والطيور من جانب آخر ، فأثر هذا المنظر في نفسه عليهالسلام وغرق في التفكير في كيفية جمع أجزاء هذا الجسد وإحيائه من جديد بعد أن صار جزءاً من حيوانات كثيرة اخرى.
إنَّ إبراهيم عليهالسلام كان مؤمناً بالمعاد وكل مايرتبط به لأنّه نبي وله ارتباط مع الوحي وكان إيمانه أعمق من الإيمان الحاصل عن طريق الاستدلال العقلي ، لكنّهُ كان يبغي شاهداً حسياً في هذا المجال ولهذا جسَّد له الله هذا المشهد كي يتجسّد أمامه المعاد الجسماني بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وليشاهده بأمّ عينيه كي يطمئن قلبه.
* * *