وهنا ينبغي أن نشير إلى عدّة امور :
أولاً : إنّ جملة : «فَصُرْهُنَّ» كما صّرح بذلك بعض اللغويين وعدد من المفسيرين هي من مادّة «صور» على وزن (قول) بمعنى التقطيع والتمزيق ، وهي دليل على أنّ إبراهيم عليهالسلام أمر بأن يذبح تلك الطيور الأربعة ثم يقطعها ويخلط أجزائها.
لكنّ بعض اللغويين فسروها بمعنى التعويد والتربية (على الأخص عندما تتعدى بـ «إلى») ومن أجل هذا أكّد بعض المفسرين الذين يسمّون أنفسهم بذوي الأفكار النيّرة على أنّ إبراهيم عليهالسلام لم يقطع تلك الطيور أبداً ، بل أمر بأن تعود تلك الطيور إليه وبعد أن تأنس به يضع كل واحد منها على جبل ثم يناديها كي تسعى إليه جميعاً فيحصل من خلال هذا العمل على دليل لإحياء الموتى ، ولكي يعلم أنّ إحياء الموتى على الله يبلغ من السهولة ما يبلغه نداء إبراهيم عليهالسلام لتلك الطيور ومجيئها إليه بمجرّد أن يناديها (١).
وقد فات هؤلاء أنّ إبراهيم عليهالسلام أراد مشاهدة إحياء الموتى وأنّ الله تعالى استجاب دعوته من هذا الباب كي يطمئن قلبه ، فلو كانت المسألة تُحلّ بتربية الطيور وإتيانها بعد دعوتها لما تحقق ما أراده إبراهيم عليهالسلام من مشاهدة إحياء الموتى ولما اطمئن قلبه بذلك ، بل لا علاقة لهذا الأمر بما طلبه إبراهيم عليهالسلام فإنّ مثل هذا الجواب لمثل هذا الطلب قبيح وغير لائق لو صدر من الفرد العادي ، فكيف يصدر ذلك من الله تعالى وبالأخص عندما يرد في كلام فصيح ككلام القرآن ...؟
ثانيا : الظاهر أن تفسير كلمة «جزء» باطلاقها على كلِّ واحد من الطيور الأربعة ، غير مناسب أبداً.
ثالثاً : إنّ سبب نزول هذه الآية الشريفة والوارد في روايات متعددة لا يتناسب مع هذا المعنى ، بل صرحت جميعها بالحقيقة التالية ، وهي أنّ إبراهيم عليهالسلام أخذ أربعة من الطير فذبحها وخلط أوصالها ببعضها ثم قسّمها حصصاً فوضع كلٍ منها على جبل (٢).
__________________
(١) وهذا التفسير في الأساس مقتبس من أحد المفسرين المعروف باسم (أبومسلم) وقد نقل عنه هذا التفسير في «المنار» ودافع عنه وأيّده (ج ٣ ص ٥٦).
(٢) للاطلاع أكثر على هذه الروايات راجع تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٢٧٥ ـ ٢٨٢ ؛ وتفسير الدّر المنثور ، ج ١ ، ص ٣٣٥.