يصيبهم بين الحين والآخر ، فكلّما بان لهم أثر الوباء غادر المدينة أثرياؤهم وبقي الفقراء فريسة للهلاك فيموت منهم الكثير ، أمّا الفارّون فإنّهم غالباً ما ينجون.
بعد ذلك قرروا أن يهاجروا جميعاً بمجرد ظهور آثار الطاعون وهكذا خرجوا فراراً من الموت.
إلّا أنّه لم ينج أحد منهم وماتوا جميعاً بأمر الله (١).
إنّ الآية المذكورة لم تشر إلى أنّ الغرض من احيائهم هو اجراء مشهد المعاد في الدنيا ، لكن بعض الروايات الواردة في هذه الحادثة صرّحت بذلك (٢).
ونواجه هنا مرّة اخرى تفسيراً منحرفاً لبعض المفسرين الذين يصطلح عليهم بالمثقفين ونحن نعلم بأنّ فهم مثل هذه الحوادث ذات الأبعاد الاعجازية صعب على أفراد من هذا القبيل لذا فإنّهم رفضوا بالمرة حكاية وقوع هذه الحادثة بالشكل الوارد في ظاهر القرآن الكريم واعتبروا بيان تلك الحادثة مجرّد مثال لحياة وموت الامم الذي يعتبر كناية عن النصر والهزيمة.
فقالوا : إنّ الآية المذكورة تخبر عن جماعة من الناس فقدوا سيادتهم واستقلالهم كلياً فأصبحوا كامّة ميتة ، ثم نهضوا من نومهم وشمروا عن سواعدهم وحصلوا على استقلالهم وسيادتهم بما مَنَّ الله عليهم (٣).
لكننا نعلم بأنّ مثل هذه التفاسير والآراء إذا دخلت إطار القرآن الكريم فإنّ كثيراً من حقائقه سوف تكون عرضة للانكار ، وحينئذٍ يستطيع كل شخص أن يفسّر الآيات الشريفة بتفسيرات ملائمة لميوله ورغباته ويصبح القرآن الذي يعتبر هادياً ومسيّراً للناس وسيلة لدعم أفكار وميول هذا وذاك! فيكون تابعاً بدلاً عن أن يكون متبوعاً.
وعندما تنهى الروايات بشدّة عن التفسير بالرأي ، وتُشبهُ من يفسر القرآن برأيه بالذي يهوي من السماء إلى الأرض ، فالمراد منه مثل هذا التفسير المنحرف الخارج عن الضوابط والقواعد السليمة لفهم القرآن.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ؛ وتفسير الكبير ؛ وتفسير نورالثقلين في تعليقهم على ذيل الآية مورد البحث.
(٢) تفسير مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٤٧.
(٣) تفسير المنار ، ج ٢ ، ص ٤٥٨.