كلما ارتكبت خطيئة بمقتضى الحيثية المظلمة فإنّها تصحو من غفلتها بفعل نور الإيمان وتبدأ بلوم نفسها وتوبيخها ... ذلك اللّوم الذي يصبح سبيلاً لنيل الكمال ، وهي نفس رفيعة ونموذج مصغّر من مشاهد القيامة والتي تُدعى بـ «النفس اللوامة».
وثالثاً النفوس النورانية تماماً ، فكلها «نور وصفاء» فقد تجاوزت النفس اللّوامة إلى مرحلة الاطمئنان والسكينة فجاءها خطاب : (يَاايَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَةُ) وقد أمرت بالرجوع إلى منبع الكمال المطلق بخطاب (ارْجِعِى) فدخلت في روضة عباد الله الصالحين فهي : (رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً).
وقصارى الكلام في تفسير هذه الآية وكيفية دلالتها على المراد هو إنّ هذا التقارن بين القسمين مع الأخذ بنظر الاعتبار فصاحة القرآن وبلاغته لا يمكن أن يكون مصادفة ، بل يجب أن تكون هناك علاقة بين يوم القيامة وبين النفس اللّوامة ، وهذه النسبة هي أنّ كل إنسان (إن لم تنحرف فطرته بفعل التربية الخاطئة) له وجدانٌ يؤنبهُ عند ركوب الخطايا ويستحسن فعله للخير.
وهذا الوجدان الشخصي الذي هو عبارة عن محكمة صغيرة تستقر في روح الإنسان ، دليل على ضرورة وجود ضمير كبير لهذا العالم العظيم يحاكم ويلوم المجرمين ويعاقبهم ، وما هذا الضمير الكبير إلّايوم القيامة.
* * *
توضيح
المعاد يتجلى في الفطرة
إنَّ المسائل الفطرية وإن كانت إدراكية لا استدلالية ، واضحة ومرئية لا مسموعة ، بل يجب على كلّ شخص البحث عنها في أعماقه ليعثر عليها ، ولكن مع ذلك ومن أجل مساعدة الجميع في البحث وسماع صوت الوجدان بسهولة ، ومن أجل قراءة كتاب الفطرة بتأنّي ، وكذلك للحصول على بيان مُقنع للتحدث به أمام المعاندين فإنّ التوضيحات التالية تعتبر ضرورية :