جمع الآيات وتفسيرها
الحياة بلا معاد لامعنى لها :
أشار القرآن المجيد إلى أوضح أدلة المعاد من خلال جملة قصيرة نافذة المعنى ، قال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَانَّكُمْ الَيْنَا لَاتُرْجَعُونَ).
أي : إنْ لم تكن هناك قيامة وكانت حياتكم تتلخّص في هذه الأيّام المعدودة ، لكانت حياتكم عبثاً ولم يكن لها أيّ قيمة ، والحياة الخالدة هي التي تعطي لحياتكم معنىً في هذه الدنيا وتخرجها من دائرة العبث وتجعلها متسقة مع الحكمة الإلهيّة.
ولأجل هذا ختم تعالى هذه الآية بقوله : (فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ). (طه / ١١٤)
فوجوده حقّ من جميع الجهات ، ولا يجد الباطل منفذاً إليه ، وإنَّ العبث واللاهدفية أمرٌ باطل ، والحق لايتلائم مع الباطل.
و «عبث» : على حدّ قول صاحب مقاييس اللغة وصاحب «المفردات» : في الأصل بمعنى الشوب والخلط ، ثم أطلقت على الامور غير الهادفة والتي لا تحمل أىَّ هدف صحيح.
وقال في «لسان العرب» : هي بمعنى اللعب ، وإن عدّوا الخلط من معانيها ، واطلقت اجمالاً على الأعمال غير الهادفة والباطلة والخالية من الأغراض العقلائية ، ولاشيء من هذه المعاني يصدق على خلق الإنسان.
* * *
وقد ورد نفس هذا المعنى في الآية الثانية وبقالب آخر ، قال تعالى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّموَاتِ والَارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا الّا بِالْحَقِّ) ، ثم أضاف على الفور : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ).
من المحتمل أن يكون ذكره لهاتين العبارتين مقترنتين دليلاً على هذا الأمر فإن كان الهدف من خلق هذا العالم العظيم مع كل ما فيه من العجائب والبركات والنعم وكل هذه الأسرار الخفية من أجل عدّة أيّام من الحياة المادية الدنيويّة فحسب ، فهو أمرٌ باطل ولا يتلائم مع الحق إذن ، فالحياة الاخرى تعطي معنى وحقانية لهذه الحياة.