٣ ـ برهان العدالة
تمهيد :
إنّنا نعلم بأنّ «العدل» أحد صفات الباري تعالى ، تلك العدالة التي يدل عليها كل جزء من أجزاء عالم الوجود كالسماء والأرض ، ووجود الإنسان وضربات قلبه وجريان دمه في عروقه ... إلخ ، وذلك لأنّه : «بِالعَدْلِ قَامَتِ السَّمواتُ وَاْلَارْضُ» (١).
فهل يمكن أن يُستثنى الإنسان من هذا العالم الواسع؟ ولا تشمله العدالة المهيمنة على هذا العالم؟
ومن ناحية اخرى : إنّ التأريخ البشري والأحداث المعاصرة أثبتت بوضوح أنّ إحقاق حق المظلومين ومعاقبة الظالمين لا يتمّ بصورة كاملة في هذا العالم وليس بالإمكان حتّى مشاهدة ذلك إلا بنحو «القضية الجزئية» إذن بمقتضى العدالة الحاكمة على هذا العالم والتي تعتبر جزءاً من عدالة الله تعالى يجب أن يكون هناك يوم لمحاسبة أعمال جميع البشر بدّقة متناهية ومن دون أي استثناء ، وذلك اليوم هو الذي نطلق عليه اسم (القيامة).
بعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن المجيد لنتأمل خاشعين في الآيات الشريفة التالية:
١ ـ (افَنَجْعَلُ الْمُسْلِميْنَ كَالُمجْرِمِيْنَ* مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). (القلم / ٣٥ ـ ٣٦)
٢ ـ (امْ نَجْعَلُ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِديِنَ فِي الارْضِ امْ نَجْعَلُ المُتَّقِيْنَ كَالْفُجَّارِ). (ص / ٢٨)
٣ ـ (امْ حَسِبَ الَّذِيْنَ اجْتَرَحُوا السَّيّئَاتِ انْ نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ* وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ بِاْلحَقِّ وَلِتُجزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ) (٢). (الجاثية / ٢١ ـ ٢٢)
__________________
(١) تفسير الصافي ، ذيل الآية ٧ من سورة الرحمن.
(٢) وقد استدلوا في هذا المجال بآيات اخرى أيضاً مثل : سورة يس ، ٥٩ ؛ الزلزال ، ٧ و ٨ ؛ الانبياء ، ٤٧ ، ولكن بما أنّ دلالاتها غامضة فقد أعرضنا عن ذكرها.