وقالوا تارةً اخرى : إنّ هذه الآية تشير إلى الموت في هذه الدنيا للانتقال إلى الآخرة ، أي ان الفريق الأول يعتبر مصداقاً لهذه الآية : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ طَيِّبِيْنَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ). (النحل / ٣٢)
بينما يعتبر المذنبون مصداقاً لهذه الآية : (فَكَيْفَ اذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوْهَهُمْ وَادْبَارَهُمْ). (محمد / ٢٧)
وهناك احتمالات اخرى لا تستحق الذكر في تفسير هذه الآية ، لكن الجمع بين التفسيرين المذكورين سهل ، وإن كانت الآية التالية لها تتناسب مع التفسير الثاني ، لأنّه تعالى قال : (وَخَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ). (وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ) (١).
وبما أنّ الحديث عن العدالة الإلهيّة وحقانية خلق السموات والأرض وعن ثواب وعقاب كل إنسان على قدر عمله من ناحية ، ومن ناحية اخرى ـ وكما قلنا سابقاً ـ إنّ هذا الأمر لا يتمّ في الدنيا بصورة شاملة ، إذن يجب أن تكون هناك حياة اخرى بعد الموت لإقامة العدالة وإحقاق الحق.
توضيح
العدل هو النظام الحاكم على الخلق :
إنّ كل من لديه إلمامٌ بسيط بالعلوم الطبيعية بإمكانه أن يلاحظ أنّ جميع الكائنات في هذا العالم تخضع لنظم وقوانين معيّنة ، ودقّة هذه القوانين جعلت علماء الطبيعة يدوّنون فيها الكتب طبقاً لهذه المعادلات الدقيقة ، ففي مجال الرحلات الفضائية مثلا نجد العلماء قد نظموا جميع برامجهم العلمية الدقيقة بالاعتماد على هذه القوانين الطبيعية.
__________________
(١) قال الزمخشري في تفسير الكشاف ، ج ٤ ، ص ٢٩٠» : جملة «ولتجزى» معطوفه على قوله «بالحق» ، لأنّها تحمل معنى التعليل (بناءً على هذا يكون مفهوم الآية بهذا النحو : خلق الله السموات والأرض ليحق الحق ولتجزى ...) ثم قال ويحتمل أن تكون معطوفة على جملة محذوفة فيكون التقدير : خلق الله السموات والأرض بالحق ليدل بها على قدرته وتجزى كل نفسٍ.