جمع الآيات وتفسيرها
الجميع يسير نحو الله :
وجّه تعالى خطابه في الآية الاولى إلى جميع البشر فقال : (يَا أَيُّهَا الانْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ الى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيْهِ).
و «كدح» : على وزن (مَدْح) ـ على حدّ قول عدد من المفسرين ـ وهو في الأصل بمعنى الخدش الوارد على الجلد ، لذا اطلقت هذه الكلمة على السعي وبذل الجهد لأنّه يؤثر على الروح والبدن (١).
وجاء في مفردات الراغب : إنّ الكدح بمعنى السعي المشوب بالمعاناة والتعب.
ولكن جاء في الميزان : بما أنّ «كدح» تعدت بـ «إلى» فهي تعني السير والحركة (ولا تضاد طبعاً بين هذين المعنيين) (٢).
ومن مجموع ما تقدم نستنتج أنّ القرآن المجيد شبَّه البشر بقافلة بدأت مسيرها من نقطة العدم فوضعت أقدامها في أقليم الوجود ، ثم اتّجهت من هناك نحو الربّ كي تصل إلى لقائه ، ويشير إلى هذا المعنى التعبير بـ (وَإِنَّ الَى رَبَّكَ الْمُنتَهى). (النجم / ٤٢)
من الممكن أن ينحرف فريق عن هذا المسير ولا ينالوا لقاء الله أبداً ، لكن الأساس في خلق الإنسان هو الوصول إلى هذا الهدف.
و «لقاء الله» : ـ كما أشرنا سابقاً ـ يعني مشاهدة الرّب مشاهدة قلبية والوصول إلى مقام الشهود القلبي الذي يصل إليه الإنسان عن طريق سيره التكاملي ، وهو من أهم مقامات القرب إلى الله.
وفي الآية الثانية تحدث سبحانه عن الطهارة والتقوى وتزكية البشر التي يعود نفعها عليهم جميعاً ، قال تعالى : (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ). ثم يضيف : (وَالَى اللهِ الْمَصيرُ).
والجملة الأخيرة جاءت للدلالة على أنّ الصالحين والطاهرين إن لم يدركوا كل
__________________
(١) تفاسير الكشاف ؛ وروح المعاني ؛ والكبير ، في تعليقهم على الآية مورد البحث.
(٢) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٣٦٠.