المفهوم أيضاً على الأخص في قولِهِ تعالى : (بَلْ احْيَاءٌ وَلكِنْ لَاتَشْعُرُونَ).
وفي هذه الآية أيضاً تُواجِهُنا أقوالٌ لبعض قاصرى التفكير الذين يرون أنَّ الحياة في هذه الآية تعني الهداية أو بقاء اسماء الشهداء حيّة أو بقاء معتقدهم ، وهكذا اعتبروا استخدم عبارة احياء عند ربّهم يرزقون من باب المجاز وانحرفوا في تفسيرهم وهم لا يملكون أيّ دليل لدعم ادّعاءاتهم.
وكأنَّ هؤلاء المفسرين لم ينتبهوا لكلمات هاتين الآيتين أبداً وإنّ الشهداء بالإضافة إلى وصفهم بأنّهم احياء فقد ذُكر بأنهم يرزقون ويفرحون ويتمتّعون بأنواع النعم الإلهيّة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وخاصة في قوله تعالى : ولكنْ لا تشعرون!
فلو كان المراد خلود اسمهم أو معتقدهم أو احياءهم يوم القيامة لما كان اطلاق أيّ واحد من هذه التعبيرات المذكورة بحقهم صحيحاً.
وبهذا شيّد القرآن أساس بحث خلود الروح وبدأه بذكر خلود حياة الشهداء.
* * *
عذاب آل فرعون في البرزخ :
تَحَدَّثَتْ الآية الثالثة عن عاقبة طائفة ظالمة وهي «طائفة آل فرعون» وصوّرتْ حالها في البرزخ في قبال حال الشهداء ، فهي تصفها بعد الموت على هذا النحو : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا آلَ فِرعَونَ اشَدَّ العَذَابِ).
إنّ ممّا لا شك فيه أنّ النار التي يُعرض عليها آل فرعون في الصباح والمساء نار البرزخ ، وذلك لأنهم ماتوا ولم تقم القيامة حتى الآن ، بالإضافة إلى ذلك فإنّ القيامة ليس فيها صباح ومساء بل هم في اشد العذاب على مرّ الزمان (كما يشهد على ذلك ماجاء في ذيل الآية).
وهذا التعبير شاهد حيّ وملموس آخر على خلود الروح ، لأنّ ما يعرض على جهنم صباحاً ومساءً إن لم يكن الروح فما هو إذن؟ هل هو الجسد المجرّد عن الروح الذي أصبح تراباً؟ كلّا طبعاً ، لأنّ هذا لا يتأثر أبداً ، إذن يجب أن تبقى ارواحهم خالدة حيّة كي يعرضوا