على العذاب غدواً وعشياً في عالم البرزخ.
ويحتمل أن يكون السبب في استخدام كلمتي «الغدوّ» و «العشيّ» في الآية الشريفة أنّ هذين الوقتين من الأوقات التي كان الطواغيت يتجهون خلالها ويبرزون سطوتهم ومن الأوقات التي يستغلّونها في اللهو والبذخ.
وأمّا التعبير بـ «يُعرضون» فإنّه لايعني دخولهم النار وهذا ممّا لا شك فيه ، وهو غير ما اريد في ذيل الآية ، ومن المحتمل أنّ المراد منه الدلالة على اقتراب النار منهم ، فهم يقتربون من النار في عالم البرزخ ويلجونها يوم القيامة!.
لقد استدل الكثير من المفسرين بهذه الآية على عذاب القبر أو البرزخ (١) ، ومن البديهي أنّ عذاب القبر (أو البرزخ) لا معنى له من دون خلود الروح.
جاء في الحديث المروي عن الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنّة فمن الجنّة وإن كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعدك حين يبعثك الله يوم القيامة» (٢).
وهذا الحديث يشير إلى أنّ الثواب والعقاب البرزخي لا يختص بالشهداء وآل فرعون بل يشمل الجميع.
* * *
قبض الأرواح!
وفي الآية الرابعة (والآيات المشابهة لها) نلاحظُ تعبيراً آخرَ في هذا المجال ، قال تعالى : (قُلْ يَتَوفَّاكُمْ مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ الَى رَبِكُمْ تُرْجَعُونَ).
والتعبير الجديد واللطيف في هذه الآية «يتوفاكم» من مادة «التوفّي» على وزن «الترقّي».
قال الراغب في المفردات «وافي» في الأصل بمعنى وصول الشيء إلى الكمال ، بناءً
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٥٢٥ ؛ تفسير الكبير ، ج ٣٧ ، ص ٧٣ ؛ تفسير القرطبي ، ج ٨ ، ص ٥٧٦٣ ؛ تفسيرالميزان ، ج ١٧ ، ص ٣٥٤.
(٢) نقل هذا الحديث صاحب مجمع البيان عن صحيح البخاري ومسلم (ج ٧ و ٨ ، ص ٥٢٦).