فأمّا بالنسبة للمخ فإنّه لا أحد ينكر أنّ التفكر والامور الاخرى لا تحصل من دون توفّر الخلايا العصبية ، ولكن السؤال هو : هل المخ آلة تستخدمها الروح لانجاز فعاليتها أم هو نفس الروح؟!
وخلاصة الكلام : إنّ جميع الأدلة التي جاء بها الماديون هنا لا تثبت إلّاشيئاً واحداً وهو وجود علاقة بين خلايا المخ وإدراكات الإنسان لا غير ، ولكنّها لا تثبت لنا بأنّ المخ هو الفاعل الرئيسي للإدراك ، (فتأمّل).
ومن هنا يتضح أنّ السبب في عدم إدراك الجسد الميت هو انقطاع اتصاله بالروح ، وليس السبب فناء الروح ، كما هو الحال بالضبط بالنسبة للباخرة أو الطائرة التي تفقد اتصالها اللاسلكي بالقاعدة ، فالباخرة لم تفن ولم يفن الرّبان والطاقم أيضاً ولكنهم مع ذلك غير قادرين على الاتصال بالساحل وكل مافي الأمر أنّهم فقدوا وسيلة الاتصال بالقاعدة.
* * *
٤ ـ أدلة أنصار نظرية استقلال الروح
أ) خصوصية كشف الواقع (اي الاطلاع على العالم الخارجي)
إنّ أوّل سؤال يمكن أن يطرح على الماديين هو : إذا كانت خواص المخ «الفيزياكيميائية» نفس الأفكار والظواهر الروحية فينبغي أن لا يكون هناك «فرق مهم» بين عمل المخ وبين عمل المعدة أو الكلية أو الكبد مثلاً ، لأنّ عمل المعدة «مثلاً» يتمثل في مجموعة من النشاطات الفيزيائية والكيميائية ، فالمعدة بواسطة حركاتها الخاصة وضخ الافرازات الحامضية تهضم الغذاء وتعدّه لعملية الامتصاص ، وهكذا الحال في واجبات اللعاب الذي تقدم ذكره فهي مركزٌ من أعمال فيزيائية واخرى كيميائية ، لكننا نرى بالوجدان بأنّ أعمال الروح تختلف عن جميع هذه الأعمال.
فجميع أعمال أجهزة الجسم لها شبه ببعضها البعض إلّا «المخ» فهو لا يشبه في أفعاله أيّ واحدة من تلك الأجهزة لأنّ أجهزة الجسم ترتبط بالامور الداخلية للجسم بينما ترتبط الظواهر الروحية بالخارج أي أنّها تخبرنا عمّا هو خارج وجودنا.