جمع الآيات وتفسيرها
من التراب نخرجكم تارة اخرى
تخللت الآية الاولى قصة موسى وفرعون ، لكن الخطاب كان من قبل الله تعالى عندما أشار إلى الأرض في الآيات السابقة ، قال تعالى : (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً اخْرَى).
فنحن جميعاً خُلقنا من التراب ، إمّا لأننا خلقنا من آدم وآدم من تراب ، وإمّا من أجل أنّ جميع الأغذية (من نباتات أو حيوانات تتغذى على النباتات) التي ينشأ منها لحمنا وجلدنا وعظامنا ، قد خُلقت من التراب فمن البديهي أن نعودَ جميعاً إلى التراب ونُبعث ثانيةً من التراب ، وهذا دليل واضح على إثبات المعاد الجسماني ، وهذا التعبير ، بالإضافة إلى كونه جواباً لمن يقول بعدم إمكان تحقق المعاد بعد تحلل الأجسام وتحولها إلى تراب ، وجواباً لمن غفلوا عن كونهم خلقوا من التراب ، فهو انذارٌ لجميع الطغاة والمستكبرين المتغطرسين أمثال فرعون وأعوانه لاعلامهم بأنّهم كانوا في بداية الأمر تراباً وسوف يعودون إلى التراب ويخرجون تارةً اخرى من التراب ويُحضرون في محكمة العدل الإلهيّة.
إن أدنى تأمّل في مراحل وجود الإنسان يكفي لتحطيم غروره واحياء روح التواضع والتسليم أمام الحق في أعماقه.
* * *
والآية الثانية جاءت على لسان النبي نوح عليهالسلام حيث شبّه الإنسان بالنبات الذي ينبت في التراب ، قال تعالى : (وَاللهُ انْبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ويُخْرِجُكُمْ اخْراجاً) (١).
إنّ استعمال «الإنبات» في مورد الإنسان تعبير لطيف جدّاً ، والمراد منه هو لفت الأنظار
__________________
(١) تقتضي القاعدة في هذه الآيات بوجوب استخدام كلمة «انباتاً» التي هي مصدر لفعل «أنبتكم» لكن بعض المفسرين يرى أنّ هناك تقديراً في الآية على النحو التالي : «أنبتكم من الأرض فنبتكم نباتاً ـ أو ـ أنبتكم من الأرض انبات النبات» (تفاسير الكبير ؛ وروح الجنان ؛ والميزان).