٥ ـ كيف يتلائم الجسم الذي من صفاته الفناء مع الخلود؟
الإشكال الآخر الذي طرح في مسألة المعاد الجسماني هو أنّ الآخرة هي دار الخلد ، والآيات التي صرحت بهذا الخلود دليل واضح على الخلود يوم القيامة ، بينما نرى بالوجدان أنّ الجسم المادي ـ على أيّة حال ـ يبلى ويندرس ، وفي نهاية المطاف يصل إلى الفناء.
فإذا ما تحقق المعاد بالجسم فسوف يحصل التضاد وهو نفوذ «الفناء» ، في عالم «البقاء» ، وسوف يخلد الجسم الذي من طبعه الفناء.
وقد طرح هذا الإشكال المرحوم العلّامة الطباطبائي في شرح تجريد الاعتقاد بالنحو التالي : إن التناهي والمحدودية هي من ملازمات الجسم ، والقول بخلود نعم أهل الجنّة يستلزم عدم المحدودية وعدم التناهي (١).
* * *
الجواب :
ليس من الصعب أيضاً الإجابة عن هذا السؤال ، لأنّه لا خلاف في كون الفناء والاستحالة والتفسخ من طبيعة الأجسام ، لكن هذا يتمّ في حالة عدم وجود الدعم المستمر من الخارج ، فإذا ما شمل الدعم الالهي حال الجسم فإنّه من الممكن أن يحافظ على طراوته على الدوام وأن يبقى في حالة تجدد دائم.
وهذا يشبه حال الشجرة التي ترمم خلاياها المتفسخة وتبدّلها بخلايا جديدة لتبقى طرية وجديدة على الدوام وذلك عن طريق تغذيتها المستمرّة على نوع خاص من الغذاء ، وهذا غير مستحيل.
وبتعبير آخر : إنّ مقتضى الذات شيء ومقتضى العوامل الخارجة عن الذات شيء آخر ، والحديث يدور هنا عن خلايا الجسم التي من طبيعتها أن لا تعمِّر طويلاً أو التي تحصل على
__________________
(١) شرح التجريد ، ص ٣٢٢.