٣ ـ الاعتقاد بالمعاد في كتب اليهود (١)
إنّ ممّا لا شك فيه هو أنّ النصارى واليهود كانوا يؤمنون بعالم ما بعد الموت ، وقد اشير إلى هذه المسألة كثيراً في كتب «العهد الجديد» والأناجيل الكثيرة ، بالرغم من قلّة الإشارة إليها في كتب «العهد القديم» أي كتب اليهود.
ومن «المحتمل» أن يكون السبب في وجود هذا الفرق ، هو حب اليهود المفرط للحياة الماديّة ، والذي أشار إليه تاريخهم بوضوح ممّا يجعل الاعتقاد بالمعاد يزاحم برامجهم ، لذلك عندما كانوا يحرفون كتبهم المأثورة كانوا يثبتون كلّ ما شاهدوه يتحدّث عن الامور المادّية في الحياة بنحو أفضل وأبرز ممّا ذكر ، لكنهم كانوا يحذفون كلّ ما كانوا يواجهونه من حديث حول القيامة وعقوبة عبدة الدنيا والظلمة!
وقد وصفهم القرآن المجيد بهذا الوصف أيضاً ، قال تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ). (البقرة / ٩٦)
ولكن بالرغم من جميع هذه الاحتمالات التي نشاهدها في كتب العهد القديم بالنسبة لمسألة المعاد ، فإننا نواجه عبارات واضحة الدلالة على الاعتقاد بمثل هذا العالم والتي منها :
١ ـ جاء في كتاب «النبي أشعيا» : «سوف تحيا أمواتك وسوف تبعث أجسادي» (٢).
٢ ـ وجاء في الكتاب الأول ل «صومائيل» مايلي : «إنّ الله يميتُ ويحيي ويُدخِلُ القبور ويبعث» (٣).
__________________
(١) تشتمل كتب اليهود المقدسة والتي تسمى بالعهد القديم على ٣٩ كتاباً ، خمسة منها اسفار التوراة الخمسة ، وسبعة عشر كتاباً منها تسمى بمدوّنات المؤرخين وكما هو ظاهر من اسمها فهي تحمل في طياتها ما دوّنه المؤرخون حول سِيَر الملوك والحكّام وغيرهم ، أمّا الكتب السبعة عشر الاخرى والتي ، تسمى بمدوّنات الأنبياء فهي تتألف من شرح سِيَر الأنبياء وكلماتهم القصار ونصائحهم ومناجاتهم ، وأمّا بالنسبة لكتب المسيح المقدسة (العهد الجديد) فمجموعها سبعة وعشرون كتاباً لا غير ، فالاناجيل الاربعة دوّنت على يد تلاميذ المسيح أو تلاميذ تلاميذه وأثنان وعشرون كتاباً منها هي رسائل (بولص) وسائر رموز الدين المسيحي الذين بعثوا للتبشير إلى مناطق مختلفة ، وآخرها كتاب الرؤيا (ليوحنا) الذي شرح فيه مشافهاته الغيبية.
(٢) كتاب أشعيا ، باب ٢٦ ، جملة ١٩.
(٣) كتاب صاموئيل الأول ، باب ٢ ، ج ٦.