الإيمان بالمعاد وعلاقته بالرؤية الواقعية :
طرحت هذه المسألة بشكل جديد في الآية الحادية عشرة ، حيث قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لَايُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ).
وكما اشتهر لدى علماء الأدب وعلماء علم اصول الفقه أنّ هذا هو من باب تعليق الحكم على الوصف ، وهوَ يُشعِرُ بعلّية الوصف للحكم ، بناء على هذا إنْ كانت الآية تنسب تزيين الأعمال إلى عدم الإيمان بالآخرة فيكون مفهومها هو : عندما يفقد الإنسان الإيمان بالآخرة فإنّه سوف يبتلى بهذه العاقبة ، (فتأمّل).
كما يمكننا الحصول على هذه النتيجة أيضاً بإعمال شيء من التحليل وهي : إنّ الإِيمان بالآخرة بمعنى الإيمان بوجود محكمة عادلة يباشر الباري تعالى فيها القضاء ، وإنّ الشهود هم الملائكة ، وإنّ الكذب والاحتيال والشفاعة والرشوة لا تنفع هناك ، فالايمان بوجود هذه المحكمة يبعث الإنسان على التدقيق في أعماله ، ويجعله ينظر إليها من منظار الواقع.
أمّا بالنسبة لمن يبتعد عن هذه الحقيقة ويشعر بأنّه حرّ أمام الفوارق الموجودة بين المفاهيم من حسنها وسيئها ، فإنّ ذلك يؤدّي بالإنسان الأناني إلى الإتيان بالاعذار والتبريرات لخداع نفسه وخداع الآخرين في اضفاء صبغة التقوى والصلاح على شهواته الجموحة ، واظهار السيئات بمظهر جميل ممّا يؤدّي به في النهاية إلى الوقوع في أحضان الحيرة والضياع ، (وهذا يستفاد من فاء التفريع التي تدلّ على السببية) وهذا من أخطر النتائج المترتبة على إنكار المحكمة الإلهيّة العظمى.
ومن الجدير بالالتفات هنا هو أنّ تزيين الأعمال نُسبَ إلى الله ، بينما اسند ذلك إلى الشيطان وحب الهوى في آيات اخرى من القرآن المجيد (في ثمانية موارد) ، كما ورد بصيغة المبني للمجهول «زُيّن» في آيات عديدة اخرى (في عشرة موارد) ، وإذا ما تأمّلنا في ذلك لوجدنا أَنها تشير إلى حقيقة واحدة هي :
إذا اسند التزيين إلى الله فذلك لأنّ الله هو مسببب الأسباب ، لأنّ كل ما للمخلوقات من أفعال تنتهي أخيراً إلى الله ، أو بتعبير آخر إنّ الله جعل هذا الأثر مترتباً على إنكار يوم القيامة