واضح وهو : إنّ عدم الاكتراث بالحساب وجزاء الأعمال يؤدّي بالإنسان إلى ركوب مركب الغرور والأنانية والعناد والتعصّب وعبادة الهوى ، ففي مثل هذه الحالة كيف يتمكّن من أن يرى الحقائق كما هي ويؤمن بها.
فهل يوجد حجاب أسوأُ من حجاب الهوى ، وهل يوجد مركب أسوأُ من مركب الأنانية والغرور؟
قال بعض المفسّرين : إنّ المراد من «الحجاب المستور» هو حجاب وجدار غير مرئي كان يحجب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله عن أنظار المشركين ، حين تلاوته للقرآن كي لا يرونه ليكف عنه أذاهم ، وقد روي في سبب نزول الآية ما يشابه ذلك أيضاً.
لكنّ ظاهر الآية ينافي هذا التفسير ؛ وذلك لأنّ ظاهرها يدل على أنّ هذا الحجاب يمنع من فهم وإدراك الحقائق واللطائف القرآنية ، بناءً على هذا يجب القبول بأنّ المراد من هذا «الحجاب المستور» هو تلك الحجب المعنوية ، التي تمنع عيون وآذان وقلوب المشركين عبّاد الهوى الأنانيين المتعصبين من إدراك وفهم المعارف القرآنية السامية.
وهذا هو ما أشارت إليه الآيات المتعددة ، والذي بحثناه مفصلاً في الجزء الأول من هذا الكتاب تحت عنوان «حُجُب المعرفة» (١).
وجاء في ما يقارب هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى : (فَالَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُّنكِرَةٌ وَهُمْ مُّستَكْبِرُونَ). (النحل / ٢٢)
فهنا اشير أيضاً إلى أنّ «عدم الإيمان بالآخرة» هو من عوامل «إنكار الحق والمكابرة».
* * *
ثمرة البحث :
اتّضح من خلال ما جاء في الآيات الإثنتي عشرة الآنفة الذكر (والآيات المشابهة) أنّ
__________________
(١) وصف «الحجاب» ب «مستور» يستخدم أحياناً في معناه الظاهري ، أي «الحجاب اللامرئي» وأحياناً قيل : إِنّ اسم المفعول هنا جاء بمعنى اسم الفاعل فمستور هنا جاء بمعنى ساتر.