٣ ـ الإيمان بالمعاد وعلاقته باطمئنان النفس
إنّ الاعتقاد بالحياة بعد الموت يؤثّر في تهذيب النفس وإخلاص القلوب وسموّ الأخلاق وطهارة الأعمال وله أثر كبير في إصلاح حال الإنسان في هذه الدنيا أيضاً.
كلنا يعلم أنّ القلق هو خطر يهدد حياة الإنسان ، فيُحوِّل حلاوة العيش إلى مرارة لا تطاق ، ويصاب الإنسان بالانهيار العصبي جراء القلق الذي يسيطر عليه.
القلق الناشيء من ماضي الإنسان واضاعة الفرص والآلام التي حلّت في ساحته ، والقلق بشأن المستقبل ونهاية الحياة وفقدان الأصدقاء والأقارب والاولاد والمال والثروات والقوى الجسميّة والروحيّة ... والقلق الناشيء من الأحداث التي لم تكن بالحسبان والتي تعصف بالإنسان فتحطّم استقراره.
لذا قال العلماء أصحاب الخبرة : إنّ البشر في زماننا الحاضر وَبالرغم مِن تطوّر الطّب والجراحة وفي نفس الوقت الذي قُضيَ فيه على الكثير من الأمراض ، حتّى أنّ قسماً منها قد تلاشت واجتثت من جذورها ، إلّاأنّ الإنسان مازال يعاني من الأمراض النفسية أكثر ممّا كان عليه في السابق ، لذا فإننا نرى أنّ الاحصاءات تدل على أنّ هذه الأمراض في تزايد مستمر يوماً بعد يوم.
حتّى قال أحد أساتذة علم الاجتماع في جامعة پرينستون الاستاذ «دونالد لايت» : «يعيش في أميركا لوحدها حالياً ما يقارب خمسة وعشرين مليون فرداً! أقْدَمُوا على الانتحار خلال حياتهم مرّة واحدة على الأقل ، ولم يكن لجميع المساعي التي بذلت في هذا المجال من قبل لجان مكافحة الانتحار أثر يعتد به ، وهؤلاء يقدمون على هذه الأعمال بسبب اليأس وشعورهم بتفاهة الحياة ، وبسبب الوحدة وعدم ثقتهم بالدنيا والاضطراب والتشويش الناشيء من تدهور المجتمع ، وهذا الأمر لا يمكن معالجته بالسبل المذكورة أعلاه»(١).
بالرغم من أنّ عصرنا الحاضر في أحد أبعاده هو عصر راحة الإنسان فقد انخفض مقدار
__________________
(١) غربت غرب ، ص ١٨ (باختصار).