الموجودات الحيّة ، بل هو أمرٌ حتّى بالنسبة للموجودات غير الحيّة ، قال تعالى : (كُلُّ نَفسٍ ذَائقَةُ المَوتِ).
وقد ورد هذا التعبير في ثلاث آيات في القرآن المجيد (١) ، والسبب في تكرار هذا الأمر هو التأكيد على حتمية الموت ، هذا بالإضافة إلى تحذير جميع البشر كي لا يغفلوا عن حتميّة هذه العاقبة.
ولمّا كان الموت هو نافذة نحو عالم البقاء ، فقد اضاف تعالى على الفور : (وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ اجُوْرَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ) ، وذلك للدلالة على أنّ الدنيا دار عملٍ ولا حساب ولا جزاء وإنّ الآخرة دار حساب وجزاء ولا عمل.
وعلى الرغم من وجود إثابة محدودة في عالم الدنيا وعالم البرزخ ، لكنْ من البديهي هو أنّ لا يتمّ الحصول على الأجر والثواب الكامل إلّافي الدار الآخرة.
وهناك احتمال آخر أيضاً وهو أنّ التعبير المذكور أعلاه يدلّ على أنّ المنقذ الوحيد للإنسان يوم القيامة هو أعماله الصالحة فقط ، لأنّ المال والجاه والمنصب والأولاد والعشيرة لا تعالج حتّى معضله واحدة من معضلات الإنسان ، وهذا التعبير يشبه ما جاء في سورة الشعراء : (يَومَ لَايَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ). (الشعراء / ٨٩)
لكنّ التفسير الأوّل أقرب للصحة ، وقد انتخبه الكثير من المفسرين.
إنّ الإنسان يمكنه أساساً أن يشك في كل شيء ، إلّاأنّه لايمكنه أن يشك في تحقق الموت ، إنّ جميع أهل السماء والأرض سوف يموتون وسوف يبتلع الموت جميع الموجودات الحيّة ، فالجميع من دون أيّ استثناء لهم اجلٌ ونهاية معينة لا تتأخّر عن موعدها لحظة واحدة ، أمّا بالنسبة لدعاء الناس لبعضهم أو لحكّامهم بالخلود فما هو إلّا مجاملة خالية من أيّ محتوى ، فأيّ خلودٍ هذا؟ وأَيُّ بقاء؟ إنّ الأنبياء جميعاً مرّوا بهذه المرحلة ، والجميع من دون استثناء عبروا هذا الممر.
ويستفاد من هذه الآية بالإضافة إلى ذلك ، أولاً : أنّ روح الإنسان لا تموت بموته ، وذلك
__________________
(١) آل عمران ، ١٨٥ ؛ الأنبياء ، ٣٥ ؛ العنكبوت ، ٥٧.