و «يتوفّى» : من مادة «وفى» وهي في الأصل بمعنى الكمال ، لذا اطلقوا على الدّرهم الكامل «درهماً وافياً» (أي الكامل من حيث الوزن ومقدار الفضة) على هذا يكون التوفّي بمعنى القبض التام ، وبما أنّ القابض هو الله فإنّ هذه الجملة تدل على أنّ الإنسان سوف يضع قدمه في عالم أعلى وأرقى.
إنّ هذه النظرة إلى الموت تغيِّرُ كثيراً من المعادلات والمفاهيم ، ومن أجل هذا عرّفوه ببوّابة العبور إلى عالم البقاء.
ومن الجدير بالذكر هو أنّ الآية المذكورة تحذِّر الناس لأنّها تعتبُر «النوم» مساوياً «للموت» وكأنّها تقول : كيف تغفلون عن الموت وهو يأتيكم في كل يومٍ وليلة وأنتم تلمسونه بأيديكم؟! إنّكم في حالة النوم تنفصلون عن هذا العالم وتفارقون حياتكم ومنصبكم ووجودكم بصورة مؤقتة ، فالموت أيضاً هو عبارة عن نوم خالد كما أنّ النوم هو عبارة عن موت مؤقت ، ومن المحتمل أن تكون الجملة الاخيرة في هذه الآية : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ) ناظرة إلى جميع هذه الحيثيات.
* * *
٣ ـ ملائكة الموت
بالرغم من أنّ الآية السابقة أسندت قبض الأرواح إلى الله ، لكنّه يستفاد من آيات اخرى من القرآن إسناد هذا العمل إلى الملائكة ، ففي الآية الثالثة من آيات البحث وُجِّه الخطاب إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وامِر بأن يجيب على إنكار المشركين للمعاد بقوله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَّلَكُ المَوْتِ الَّذى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).
ومن الجدير بالذّكر هو أنّ الآية هنا تحدّثت عن ملك الموت ، الملك الذي اوكِلت إليه هذه المهمّة ، بينما لاحظنا في الآية السابقة إسناد القبض إلى الله ، وفي الآية اسند القبض إلى مجموعة من الملائكة : (الَّذِيَنَ تَتَوفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ). (الزمر / ٤٢)
كما أسند القبض إلى الرّسُل : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا). (الانعام / ٦١)